الرأي المفيد

محمود زاهر يكتب: العيد بمن حضر!!

 

الكاتب الصحفي محمود زاهر

مع كل عيدٍ، نحاولُ «على استحياءٍ»، أن نستعيدَ حنين الطفولة وذكرياتها، في رحلةٍ مع الخيال، تُجَسِّد المشاعر النابضة بالفرحة والسعادة، اللتين غابتا عندما أصبحنا «كبارًا»!

نتصور أن فرحة العيد لا تكتمل إلا بـ«اللَّمة»، لكن الغياب الموجع يفرض نفسه حينما نعيش حالة من «الفقدان»، تسلب منَّا الفرح الحقيقي الذى نراه في عيون مَن حولنا.

لا أعرف لماذا يأتي الحُزن متعجلًا، ليخيِّم على المكان والزمان، ويتربَّع على عرش قلوبنا، التي أنهكها «جحيم الفقدان»، ليصبح العيد، بل الحياة كلها بلا معنى، من دون هؤلاء الذين أوجعوا القلوب برحيلهم؟!

في تلك الأجواء، يأتي العيد، ليفرض علينا متلازمة نفسية فريدة، تتعلق بالأماكن، دون الأشخاص، لنجد أنفسنا مُجْبَرين ومقيَّدِين بقوة الذاكرة.. نؤانس وحشتنا بما تبقى لدينا من بقايا صور ومشاعر وذكريات.

مع كل لحظة تمر في العيد، وأنت وحيد، تزيد الكآبة، بل يزيد كُرهك للحياة، لأنك لم تكن تتوقع أن تنعكس تلك الأوقات على روحك وحياتك، لتستيقظ على تأثر جسدك بمراحل العمر، تاركًا الروح والقلب يشيخان مبكرًا.

عندما تَمُرُّ تلك اللحظات، وأنت بمفردك، يستبد بك الخوف، مع تقلبات طقوس العيد، دون أن تجد فيها ما يَسُرُّ خاطرك، فَتَتَيقَّن أن السعادة نسبِيَّة، وأن لكل شيء «ضريبة».. وما العزلة والوحدة إلا أقساها!

يأتي العيد كما في السابق، منتهيَ الصلاحية، ونحن بأرواحٍ وأنْفُسٍ بقيَت معنا، بعد هؤلاء الذين فقدناهم ورحلوا.. أو أولئك الذين ابتعدوا، عمدًا أو رغمًا عنهم وعنَّا، لنعيش «فرحة» العيد بمن حضر!

تلك الفرحة «المحظورة» والغائبة، تكررت في أكثر من عيدٍ، لتأتي وسط ظروف استثنائية، على وَقْع إجراءات احترازية لمواجهة تفشي جائحة كورونا، التى غيَّبت الكثيرين، لتُنْهِكَ قلوبنا ومشاعرنا، بجروح تأبى أن تندمل!

لم يعد بالإمكان تبادل التهاني شخصيًا، لنكتفي فقط بمنصَّات التواصل الاجتماعي، التي تتشح غالبيتها بالسواد، ويغلب عليها الطابع الجنائزي، ويكسوها الحُزن الجماعي.

وعلى وقْع تقاسُم «ألم الحزن»، و«مرارة الفقدان»، يحضرنا قول المتنبي: «عيدٌ.. بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ»، لنكتشف أننا فقدنا كثيرًا من أجوائه وطقوسه وروحانياته، بقدر ما فقدنا من أحباب وأصدقاء.

هناك مَثَل روسي يقول: «بإمكان المرء أن يعتاد كل شيء.. حتى الجحيم»، فأي جحيم أفظع من أن تقضي العيد وحيدًا، من دون أحد، أو تنتظر بلا جدوى «الغائب» أو «المسافر» ليشاركك الفرحة والبهجة.. أم ستظل تبكي على الراحلين بلا وداع أو استئذان!

أخيرًا.. يقول الإمام عليّ: «حُزني على مدى الأيام طويل، وعيني على الأحباب تسيل.. أبكي إذا فارقتهم يومًا، فكيف إذا كان الفِراق طويل»، وعندما سُئل كرَّم الله وجهه: هل هناك شيء أعظم من الموت؟، قال: نعم، فراق الأحبة.

 

فصل الخطاب:

الغيابُ لا يعني فقط الموت، فغياب الأحياء أَمَرُّ وأصعب!

[email protected]

مراجعة المقال

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى