الرأي المفيد

عبد المنعم سعيد يكتب: الكارثة في تأجيل انتخابات ليبيا

لا أدرى ما إذا كان هذا المقال سوف يُنشر بعد اتخاذ قرار تأجيل الانتخابات الليبية المقرر لها يوم ٢٤ ديسمبر الجارى؛ أو أن القرار قد ثبت فى مواجهة الاتجاهات الداعية إلى التأجيل وبدأت ساعة الانتخابات فى الدق فى اتجاه ما استقرت عليه النخبة الليبية والمواقف الدولية والإقليمية خلال الفترة الماضية.

ولا يخفى على أحد أنه لا توجد حلول سهلة للأزمة الليبية، فى بدايتها لم تكن تقليدية بالمقارنات مع حالات ما سُمى «الربيع العربى»، فلم يكن نظام القذافى تقليديًا بمقاييس المرحلة، ولا كان تدخل حلف الأطلنطى من الممارسات التى جرت فى حالات عربية أخرى شرقًا وغربًا، ولا كان تاريخ الانقسام التاريخى بين أقسام ليبيا الثلاثة مماثلًا لحالات الانقسام الأخرى.

ما جرى بعد «الربيع الليبى» اختلاط ما بين انقسام الجيش، ووجود بضع مؤسسات، وفشل الحل العسكرى على أسوار طرابلس، وعلى خط سرت الجفرة؛ وتداخلت توازنات دولية وإقليمية انتزعت من أنياب أسد الفوضى والحرب الأهلية منظومة للانتخابات تضع فى يد الشعب الليبى حسم اختياره الكبير.

والحقيقة أنه لا يوجد ضمان من أى نوع، أو أى وزن، أن تأجيل الانتخابات سوف يعود بليبيا إلى نقطة سياسية أفضل، فيها توافق دولى وإقليمى، واتفاق على آلية للانتخابات، وهيئة عليا للانتخابات، وهناك سيل من المرشحين من كل حدب وصوب، وجميعهم يصدق عليه قول المسيح عليه السلام: «مَن كان منكم بلا خطيئة فلْيَرْمِها بحجر». العكس سوف يحدث تمامًا، وهو أنه لن تكون لأى موعد للانتخابات مصداقية مرة أخرى؛ ولا مصداقية لهيئة عليا للانتخابات، وسوف تعود مرة أخرى موجة الطرد من العملية الانتخابية لجميع المرشحين لأن كلًا منهم لديه ذنب ومعصية ومخالفة قانونية صحّحتها محكمة مشكوك فى حكمها. ببساطة سوف تختل مصداقية كل المؤسسات التعيسة الباقية، التى نجحت فى الوصول إلى نقطة الانتخابات بحكم الحظ والظروف الدولية والإقليمية والاختيار الصعب بين ما هو سيئ وما هو أسوأ.

وصلت ليبيا إلى هذه النقطة بعد فشل ذريع لكل السيناريوهات الأخرى التى تحافظ على بقاء الدولة أولًا، ثم ثانيًا تبدأ فى إعادة بنائها على أسس جديدة.

سيناريو الثورة والربيع الذى يولد نظامًا سياسيًا ليبراليًا وديمقراطيًا يقيم جنة الوحدة والرخاء على الأرض الليبية ولّى وراح، فلم يكن فى يد الثوار كما حدث فى مناطق أخرى من الحكمة والرؤية السياسية ما يحقق ذلك.

وسيناريو الرجل القوى المستند إلى قوة الجيش أو الميليشيات انتهى هو الآخر بعد تضحيات جسيمة. وسيناريو التدخل الدولى الذى يعيد هندسة الساحة السياسية الليبية مرة أخرى فشل قبل حدوثه لأنه فشل فى كل مكان آخر.

لم يبقَ إلا توفير الفرصة للشعب الليبى لكى يختار بنفسه بداية سيناريو جديد بدايته انتخابات لا يُستبعد فيها أحد ولا يُستثنى، بحيث تتوفر شرعية لمَن سوف يكون عليه واجب الإنقاذ الحقيقى لليبيا، فهى رغم كل شىء لديها عدد غير قليل من الروابط التاريخية والتكامل الجغرافى والاعتراف الدولى، وقبل كل شىء وبعده النفط، الذى لا يزال حتى الآن يدفع رواتب الموظفين فى كافة أحياء ليبيا، والذى وجوده يُحتِّم وجود «بنك مركزى» توضع فيه الأموال القادمة من العالم الخارجى.

ما هو ممكن فى هذه المرحلة هو الحفاظ على العملية الانتخابية كما جرى التوصل إليها، مع إعطاء بعض الوقت، الذى لا يزيد على أسبوعين، إذا كان ذلك ضروريًا، لتوفير دعم دولى وإقليمى يسعى بقدر ما هو ممكن لتحقيق نزاهة العملية الانتخابية ويضمن نتائجها من المُشكِّكين حتمًا الذين سوف يأتون بعدها، كما حدث فى بلاد عربية أخرى آخرها العراق، بل كما حدث فى أمريكا من قِبَل الرئيس الأسبق دونالد ترامب وأنصاره بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة، فلا إلغاء للمؤسسات، ولا للنظام الموضوع. ما هو مطلوب توفير أكبر كم من المعلومات للشعب الليبى عن كل المترشحين بحيث يعلم جيدًا أن قراره هو الذى سوف يحدد مستقبله.

المعضلة هنا هى أن هناك مَن يريد التأجيل والعودة مرة أخرى إلى نقطة الصفر لكى تكون هناك مساحة كبيرة من الفوضى، التى تمزق ليبيا وتعود بها إلى حافة الحرب الأهلية والتقسيم مرة أخرى.

وجميعهم كانوا مَن خسروا المعركة السابقة، والذين يستخدمون كل أسلحة الذعر من أول عودة نظام القذافى إلى تدخل النظام الدولى إلى الحديث عن ديمقراطية وحرية الاختيار التى تكون من الاتساع حتى يكون التطابق مع كامل الفوضى. والخلاصة أن ما جرى التوصل إليه لن يحدث مرة أخرى!.

مراجعة هنا 

 


  • ♦♦الآن يمكنك الحصول على أحدث الاخبار ومزيد من القصص المختارة من المفيد نيوز على تيليجرام كل يوم، انقر على الرابط للاشتراك.

    ♦♦أو انقر لمتابعة المفيد نيوز على صفحة الفيسبوك وعلى وتويتر – ولينكدإن – وانستتاجرام.


مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى