الرأي المفيد

الرفاعي عيد يكتب..العابثون في سوريا «من الثورة إلى الفوضى»

في قلب الشرق الأوسط، حيث تتقاطع المصالح الجيوسياسية وتتداخل الطموحات، أصبحت سوريا ساحة مفتوحة للصراعات، دولة تتمزق على أيدي العابثين.

العابثون، في سياق المأساة السورية، ليسوا فقط أولئك الذين يحملون السلاح، بل تشمل التسمية أطرافًا سياسية، إقليمية، ودولية، كل منهم يسعى وراء مصالحه على حساب شعب استُنزفت أحلامه، وسرقت آماله.

بدأت الأزمة السورية عام 2011 كحركة شعبية تطالب بالحرية والعدالة، لكنها سرعان ما تحولت إلى نزاع مسلح دامي، الأمر الذي شكل مناخًا خصبًا  لتدخل قوى متعددة، لكل منها أهدافها الخاصة، جاءت لتعيد تشكيل الخريطة السياسية والاقتصادية لسوريا،وتبددت الثورة التي حملت شعارات الأمل  إلى كابوس مزعج،مع دخول لاعبين يسعون إلى تحويل سوريا إلى رقعة شطرنج لتحقيق مصالحهم.

إيران وتركيا والسعودية، كل منها وجدت في الأزمة السورية فرصة لتعزيز نفوذها.

  • إيران: دخلت الصراع بدعم مفتوح للنظام السوري، مستخدمة الأراضي السورية كجزء من مشروعها الأكبر لتوسيع نفوذها الإقليمي، وخلقت شبكة من الميليشيات التابعة لها.
  • تركيا: بررت تدخلها بالمخاوف من تهديدات أمنية على حدودها الجنوبية، لكنها وضعت يدها على مناطق واسعة، وفرضت واقعًا جديدًا يعكس أطماعها التاريخية.
  • الدول الخليجية: استثمرت في دعم المعارضة السورية بهدف إضعاف النفوذ الإيراني، لكنها انسحبت تدريجيًا تاركة فراغًا ملأته أطراف أخرى.

  • روسيا: ظهرت كلاعب رئيسي في 2015 بدعمها العسكري للنظام، مما قلب موازين القوى لصالحه،بالنسبة لموسكو، سوريا ليست مجرد حليف، بل قاعدة استراتيجية على البحر المتوسط.
  • الولايات المتحدة: ركزت على محاربة تنظيم “داعش”، لكنها لم تقدم رؤية واضحة لحل الأزمة، بل أوجدت مناطق نفوذ متفرقة تدعمها قوات كردية، مما زاد من تعقيد المشهد.

وإلى جانب الصراعات العسكرية، نشأت طبقة جديدة من المتنفذين والمهربين الذين وجدوا في الحرب فرصة لملء جيوبهم،الأسواق السوداء، تهريب النفط، والفساد المستشري باتت ملامح اقتصاد مشوه يفتقد العدالة،العابثون الاقتصاديون أصبحوا شركاء في إطالة أمد المأساة، حيث يتم تدوير المعاناة لتحقيق مكاسب شخصية.

وسط هذه الفوضى، يقف المواطن السوري كأكبر ضحية،ملايين المهجرين، مدن مدمرة، وأجيال كاملة نشأت في ظل النزاع،هؤلاء لا يبحثون عن النصر أو الهزيمة، بل عن وطن يعودون إليه.

مع استمرار الصراع، يظهر أن الحل بعيد المنال،فالمجتمع الدولي منشغل بمصالحه، بينما تواصل الأطراف الإقليمية استغلال الانقسام السوري،الحل السياسي الذي يتحدث عنه البعض لا يزال محاصرًا بفيتو المصالح، والعدالة أصبحت شعارًا بلا تطبيق.

“العابثون في سوريا” ليسوا فقط أولئك الذين يحملون السلاح، بل كل من استغل الأزمة لتحقيق مكاسب ضيقة،ولكن وسط هذا الظلام، يبقى الأمل موجودًا في قلوب السوريين،أمل في أن تتوقف الأطراف المتصارعة عن العبث، وأن يتمكن الشعب من استعادة حقه في تقرير مصيره، بعيدًا عن وصاية القوى الكبرى وأطماع الصغار.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى