الرفاعي عيد يكتب: «حمار الوزير»
ذات يوم، وفي بلدٍ ليس ببعيد، كان هناك وزيرٌ يمتلك حمارًا.. نعم، حمار، لكنه ليس حمارًا عاديًا، بل حمار الوزير! في الحقيقة، كان الوزير يُعامل حماره باهتمامٍ بالغ، ربما أكثر مما يُعامل به بعض موظفيه، وكان الوزير يتباهى بحماره أمام زملائه، الذين لم يكن لديهم حمارًا مثل هذا، ليس لأنه حمارٌ ذات قدرات خارقة، ولكن لأنه ببساطة حمار الوزير.
بدأت القصة عندما قرر الوزير أن يُظهر كفاءة حماره أمام الجمهور، فأعلن عن تنظيم مسابقةٍ بين الحمير لاختيار “الحمار الذكي”.
وبالطبع، حمار الوزير كان متأكدًا من الفوز، ليس لأنه أذكى من أقرانه من بني جنسه، بل لأن الوزير قرر ذلك مسبقًا.. فكيف يمكن لحمار الوزير ألا يكون ذكيًا؟ إنه حمار الوزير، وهذه الحقيقة وحدها تكفي.
وفي يوم المسابقة، احتشد الناس في الساحة الكبيرة، حيث كانت الحمير الأخرى تقف في انتظار اللحظة الحاسمة.. بدأت المسابقة بأسئلة غريبة، مثل: “كم عدد السنوات التي سيبقى فيها الوزير في منصبه؟” و”ما هو لون البدلة المفضلة للوزير؟” وكانت الإجابات تُقدّم على شكل “عفطة” (عطس الحمار) من كل حمارٍ يُشارك.
بالطبع، حمار الوزير كان يُعطي الإجابة الصحيحة بمهارة عالية، حيث كان يعفط مرتين بدقة شديدة، بينما كانت الحمير الأخرى تعفط بلا وعي.
فاز حمار الوزير بالمسابقة، وحصل على لقب “الحمار الذكي”، وزُيّن بإكليل من أوراق الزيتون. وتجمع الصحفيون حوله، يسألون الوزير عن سر نجاح حماره. فأجاب الوزير بفخر: “إنه يتعلم بسرعة، وأنا أحرص على تعليمه كل ما يحتاجه ليكون مثالًا يُحتذى به بين الحمير.”
وما إن انتهت الاحتفالات، حتى عاد الوزير إلى قصره الفخم، وجلس بجانب حماره، وقال له: “أتعلم يا صديقي، لولاك لما كنت أستطيع الاستمرار في منصبي. فأنت أفضل مستشارٍ يمكن أن أحصل عليه، فأنت تستمع ولا تتحدث، تفهم ولا تعترض، وتعفط عندما أقول لك فقط.”
وبينما كان الوزير يبتسم بغرورٍ، نظر الحمار إليه، وحدث ما لم يكن في الحسبان. قرر الحمار، في لحظةٍ نادرة من الوعي الذاتي، أن يعفط ثلاث مرات، على عكس التوقعات. وهنا، أدرك الوزير أن الأمر خرج عن السيطرة، فقد أصبح الحمار ذكيًا حقًا، ربما أذكى من اللازم!
وربما في ذلك اليوم تعلم الوزير درسًا مهمًا: أن الحمار يبقى حمارًا حتى وإن أصبح ذكيًا، وأن الغرور قد يدفع الحمير إلى ارتكاب أفعالٍ لم تكن في الحسبان. لكن للأسف، الوزير لم يستوعب الدرس تمامًا، فقد قرر بعد ذلك أن يُنصّب حماره كـ”مستشار أول لشؤون الحمير”، لأن حمارًا ذكيًا مثل هذا يجب أن يكون له مكانة رفيعة، أليس كذلك؟