عيادات المفيد

الهوس النفسي… متى يتحول النشاط الزائد إلى مرض؟ الأعراض وطرق العلاج بالتفصيل

✍️ كتب: يوسف حسان

يُعد الهوس النفسي واحدًا من أكثر الاضطرابات النفسية التي تثير القلق لدى الأطباء وأُسر المرضى في العالم، لما يرتبط به من اندفاع غير طبيعي، وتسارع للأفكار، وتغيرات درامية في سلوك المريض قد تصل أحيانًا إلى فقدان السيطرة تمامًا.

 

ورغم أن المصاب قد يبدو في بداية الأمر “طاقة متفجرة” أو “شخصًا إيجابيًا ومتحمسًا للحياة”، فإن الحقيقة أعمق بكثير؛ فالهوس ليس مجرد نشاط زائد، بل حالة نفسية تحتاج لتشخيص وعلاج عاجل قبل أن تتطور إلى مضاعفات شديدة.

 

في هذا التقرير التحليلي، يرصد موقع المفيد نيوز كل ما يتعلق باضطراب الهوس النفسي: أسبابه، أعراضه، مراحله، كيفية التعامل معه، وأبرز طرق العلاج الحديثة المستخدمة عالميًا.

ما هو الهوس النفسي؟

الهوس النفسي هو حالة من النشاط العقلي والجسدي الزائد بشكل غير طبيعي، وتتميز بارتفاع شديد في المزاج، وزيادة الثقة بالنفس، وانخفاض الحاجة إلى النوم، وسلوكيات اندفاعية قد تعرض المريض للمخاطر. ويظهر الهوس عادة ضمن الاضطراب ثنائي القطب، لكنه قد يحدث أيضًا نتيجة اضطرابات أخرى مثل الإدمان أو الأمراض العصبية.

المصاب بالهوس لا يشعر بأنه مريض؛ بل يعتقد أنه في أفضل حالاته، وأنه قادر على إنجاز المستحيل، ما يجعل التدخل العلاجي في بدايته صعبًا دون وعي من الأسرة وبيئته المحيطة.

أسباب الهوس النفسي: لماذا يحدث؟

تشير الدراسات إلى أن الهوس النفسي ناتج عن تداخل عدة عوامل: بيولوجية، وراثية، نفسية، وبيئية. وفيما يلي أبرز الأسباب:

1. العوامل الوراثية

تزداد احتمالات الإصابة بالهوس النفسي إذا كان لدى الشخص تاريخ عائلي لاضطراب ثنائي القطب أو الاكتئاب الشديد. فالجينات تلعب دورًا مهمًا في طريقة عمل كيمياء المخ، ما يؤثر على استقرار المزاج.

2. خلل في الناقلات العصبية

اضطراب مستويات الدوبامين والسيروتونين في الدماغ يُعد أحد الأسباب الأساسية للهوس؛ فزيادة نشاط الدوبامين ترتبط بالسلوك الاندفاعي، والنشاط الزائد، وتغيير كلي في وظائف التفكير.

3. الضغوط النفسية الشديدة

الصدمات العاطفية، الفقدان، الخلافات الأسرية القاسية، أو توتر العمل والدراسة يمكن أن تحفّز نوبة الهوس لدى الأشخاص الأكثر عرضة للإصابة.

4. قلة النوم أو اضطرابه

النوم هو المنظم الأساسي للمزاج. وتتفق الأبحاث على أن الحرمان من النوم لعدة أيام قد يسبب نوبة هوس حتى للأشخاص غير المصابين باضطرابات سابقة.

5. تعاطي المخدرات

الكوكايين، الأمفيتامينات، الحشيش، وبعض أدوية الاكتئاب قد تسبب نوبات هوس مباشرة، أو تزيد حدّتها لدى المصابين مسبقًا.

6. الأمراض العصبية أو الجسدية

بعض أمراض الدماغ مثل أورام الفص الأمامي، أو إصابات الرأس، وكذلك الأمراض المزمنة قد تؤدي إلى اضطرابات مزاجية تشمل الهوس.

أعراض الهوس النفسي: كيف تعرف أن شخصًا ما دخل نوبة الهوس؟

تتراوح أعراض الهوس النفسي بين خفيفة إلى شديدة، وقد تظهر تدريجيًا أو فجأة. ويشمل ذلك:

1. ارتفاع غير طبيعي في المزاج

يشعر المريض بسعادة مفرطة، نشاط زائد، وضحك بلا سبب. وتكون السعادة مصحوبة بثقة كبيرة، وقدرة خيالية على الإنجاز، دون إدراك للواقع.

2. قلة الحاجة إلى النوم

يستطيع المصاب البقاء مستيقظًا يومين أو ثلاثة دون التعب، بحجة أنه “لا يحتاج للنوم” أو “مليء بالطاقة”، وهذا من أشهر أعراض الهوس.

3. أفكار متسارعة

يتحدث المصاب بسرعة، يقفز من فكرة لأخرى دون تسلسل منطقي، ويتوقع من الآخرين مواكبته، ما يجعل التواصل معه صعبًا.

4. سلوكيات متهورة

تشمل إنفاق المال بلا حساب، الدخول في مشاريع غير واقعية، قيادة السيارة بسرعة خطيرة، علاقات عاطفية مفاجئة، أو اتخاذ قرارات مصيرية دون تفكير.

5. تضخم الثقة بالنفس

يعتقد المريض أنه يمتلك قوة خارقة، أو قدرات غير عادية، أو أنه قادر على تغيير العالم أو تحقيق ثروة هائلة في أيام قليلة.

6. زيادة النشاط الجنسي

قد ترتفع الرغبة الجنسية لدى المريض بشكل واضح وغير معتاد، ما قد يسبب مشكلات اجتماعية وأسرية.

7. التهيج والعصبية

رغم أن المزاج يبدو مرتفعًا، فإن المريض قد يصبح سريع الغضب عند أي انتقاد، وقد يدخل في نوبات عدوان لفظي أو جسدي.

8. هلاوس أو أوهام (في الحالات الشديدة)

قد يتخيل المصاب أن هناك من يتربص به، أو أنه شخص عظيم، أو يمتلك رسالة خاصة من العالم… وهذا يُعرف بـ “الهوس الذهاني”، وهو أخطر أشكال الهوس.

مراحل الهوس النفسي: من الخفيف إلى الخطير

1. الهوس الخفيف (Hypomania)

في هذه المرحلة، يكون الشخص نشيطًا ومتفائلًا، لكنه لا يزال قادرًا على ممارسة حياته. المشكلة أنه يشعر أن حالته “جيدة جدًا” ولا يحتاج لعلاج.

2. الهوس المتوسط

تبدأ الاندفاعية، والسلوك غير المحسوب، وقلة النوم، وينعكس ذلك على العلاقات والعمل والدراسة.

3. الهوس الشديد (Mania)

تظهر الهلاوس، القرارات الخطيرة، السلوك العدواني، وقد يفقد المريض القدرة على الحكم على تصرفاته. وهنا تكون الحاجة للرقابة الطبية عاجلة.

مضاعفات إهمال الهوس النفسي

إهمال العلاج يجعل المريض عرضة لـ:

  • الإدمان على المخدرات.
  • الانهيار المالي بسبب الإنفاق الجنوني.
  • الطلاق أو فقدان العلاقات الاجتماعية.
  • الجرائم والسلوك العدواني.
  • الحوادث بسبب القيادة المتهورة.
  • الانتحار نتيجة الانتكاسة الاكتئابية بعد نوبة الهوس.

طرق علاج الهوس النفسي: ماذا يفعل الطب؟

يعتمد علاج الهوس على الدمج بين الأدوية، العلاج النفسي، وتغيير نمط الحياة. ويختلف البرنامج العلاجي حسب شدة الحالة.

1. العلاج الدوائي

ويشمل ثلاثة أنواع رئيسية:

أ — مثبتات المزاج

مثل الليثيوم، وتُعد خط الدفاع الأول ضد نوبات الهوس لأنها تساعد على استقرار المزاج ومنع الانتكاسات.

ب — مضادات الذهان

تفيد في السيطرة على الهلاوس والأفكار غير الواقعية، خصوصًا في حالات الهوس الشديد.

ج — أدوية القلق والنوم

تساعد في تهدئة المريض وتخفيض التوتر الناتج عن النشاط العقلي الزائد.

2. العلاج النفسي

أ — العلاج السلوكي المعرفي (CBT)

يساعد المريض على فهم أفكاره الخاطئة، التحكم في اندفاعه، والتعامل مع ضغوط الحياة.

ب — العلاج الأسري

لأن الأسرة تلعب دورًا كبيرًا في اكتشاف النوبات مبكرًا ومنع تطورها.

ج — التثقيف النفسي

يتعلم فيه المريض وأسرته طبيعة المرض، ومتى يجب طلب المساعدة.

3. تعديل نمط الحياة

  • النوم المنتظم دون سهر.
  • تجنب الكافيين والمنشطات.
  • الابتعاد عن الضغط العصبي والصدمات العاطفية.
  • ممارسة الرياضة دون مبالغة.
  • كتابة اليوميات لمراقبة الحالة المزاجية.

4. العلاج بالمستشفى

في الحالات الشديدة يلزم دخول المريض المستشفى لمدة قصيرة لحمايته من السلوكيات الخطرة وضبط جرعات الأدوية.

كيف تتعامل الأسرة مع مريض الهوس النفسي؟

الأسرة هي العامل الأهم في التعامل مع الهوس… وإليك أهم النصائح:

  • عدم الدخول في جدال مع المريض أثناء النوبة؛ لأن ذلك يزيد التوتر.
  • الاتصال بالطبيب فور ملاحظة أي تغيرات.
  • مراقبته دون إشعاره بالتهديد أو السيطرة.
  • إخفاء الأدوات الخطرة أو النقود أثناء الهوس الشديد.
  • تعزيز الاستقرار العاطفي والدعم المستمر بعد انتهاء النوبة.

هل يمكن الشفاء من الهوس النفسي؟

لا توجد “عصا سحرية” لعلاج الهوس كليًا، لكنه قابل للإدارة والسيطرة تمامًا. وبحسب الأطباء، فإن:

  • 80% من المرضى يعيشون حياة طبيعية عند الالتزام بالعلاج.
  • الانتكاسات تقل بنسبة كبيرة مع النوم الجيد وتجنب التوتر.
  • الدعم الأسري يقصّر مدة النوبات ويحسن من مستقبل المريض.

الخلاصة

الهوس النفسي ليس مجرد طاقة أو نشاط زائد، بل اضطراب نفسي يحتاج إلى فهم، ووعي، وتشخيص وعلاج مستمر. المريض ليس مسؤولًا عن مرضه، لكنه يحتاج إلى يدٍ تمتد إليه، وأسرةٍ تحتويه، وطبيبٍ يتابع حالته.

أما الكشف المبكر، فيظل هو السلاح الأول لتجنب المضاعفات الخطيرة التي قد تدمّر حياة المريض أو تعرضه لخطر فقدان السيطرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى