اخبار اقتصادية

التضخّم في مصر اليوم: كيف يتأثر المواطن البسيط؟

الكاتب
✍️ كتــب تامر هلال

يعيش المواطن المصري هذه الأيام في مواجهة مباشرة مع ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية للجنيه، في ظل استمرار التضخّم في مصر اليوم بمعدلات تتجاوز التوقعات. ورغم جهود الدولة والبنك المركزي للسيطرة على الأسعار، إلا أن تأثير موجات الغلاء لا يزال ملموسًا في تفاصيل الحياة اليومية — من الطعام والمواصلات إلى التعليم والصحة.

ما هو التضخّم؟ ولماذا يحدث؟

التضخّم هو ببساطة الارتفاع المستمر في أسعار السلع والخدمات، بما يعني انخفاض القوة الشرائية للنقود بمرور الوقت. فعندما ترتفع الأسعار دون زيادة موازية في الأجور، يشعر المواطن أن راتبه لم يعد يكفي نفس احتياجاته السابقة.

ويحدث التضخّم لأسباب متعددة، منها زيادة تكلفة الإنتاج (مثل الوقود والطاقة)، أو ارتفاع سعر الدولار مقابل الجنيه، أو زيادة الطلب على السلع مقارنة بالعرض. وفي مصر، تتداخل كل هذه العوامل لتُنتج مشهدًا معقدًا يضغط على المواطن والاقتصاد معًا.

أرقام التضخّم في مصر اليوم

بحسب آخر بيانات جهاز التعبئة العامة والإحصاء، بلغ معدل التضخّم السنوي في مصر خلال سبتمبر 2025 نحو 11.7% في الحضر، مقارنة بـ12% في أغسطس الماضي، وهو تراجع طفيف لكنه لا يزال أعلى من المستهدف الحكومي. أما على مستوى التضخّم الشهري، فقد ارتفعت الأسعار بنسبة 1.2% نتيجة الزيادات في الوقود والمواصلات والمواد الغذائية.

ويرى محللون أن التضخّم في مصر اليوم لا يُقاس فقط بالأرقام، بل بما يشعر به المواطن في الأسواق، حيث ارتفعت أسعار بعض السلع الأساسية بأكثر من 30% خلال عام واحد، ما جعل كثيرًا من الأسر تُعيد ترتيب أولويات إنفاقها.

أسباب التضخّم في مصر

1. ارتفاع أسعار الوقود والطاقة

قرار الحكومة الأخير برفع أسعار البنزين والسولار أدى إلى زيادة فورية في تكاليف النقل والشحن، ما انعكس على أسعار معظم السلع. فعندما ترتفع تكلفة نقل الخضروات أو الحبوب من المحافظات، تنتقل الزيادة إلى المستهلك مباشرة.

2. تراجع قيمة الجنيه أمام الدولار

مع كل انخفاض جديد في قيمة الجنيه، ترتفع تكلفة الاستيراد، وهو ما يؤثر على أسعار السلع المستوردة وحتى المحلية التي تعتمد على مواد خام أجنبية. فالاقتصاد المصري لا يزال يعتمد على الاستيراد في العديد من القطاعات، من القمح إلى مكونات الصناعات الغذائية والإلكترونية.

3. زيادة تكاليف الإنتاج

ارتفاع أسعار الكهرباء، ورسوم الخدمات الحكومية، وأسعار الفائدة، كلها عوامل تضغط على المصانع والشركات، وتجعلها ترفع الأسعار لتغطية التكاليف. وهذا ما يُعرف بـ«التضخّم الناتج عن التكاليف».

4. العوامل العالمية

تأثير الحروب والأزمات في الأسواق العالمية لا يقلّ شأنًا، فارتفاع أسعار القمح والطاقة عالميًا ينعكس تلقائيًا على السوق المصرية، خاصة أن مصر تُعدّ من أكبر مستوردي القمح في العالم.

كيف يشعر المواطن بالتضخّم؟

1. انخفاض القدرة الشرائية

أبرز آثار التضخّم أن راتب المواطن لم يعد يغطّي نفس مصروفاته السابقة. فالموظف الذي كان ينفق 2000 جنيه شهريًا على الغذاء مثلاً، يحتاج اليوم إلى أكثر من 3000 جنيه لنفس الكمية تقريبًا.

2. تغيّر أنماط الإنفاق

تضطر الأسر إلى تقليل شراء بعض السلع غير الأساسية مثل الملابس أو الوجبات الجاهزة، والتركيز على الضروريات فقط. حتى الترفيه أصبح رفاهية مؤجلة لدى الكثيرين.

3. ارتفاع أسعار الخدمات

لم تقتصر الزيادة على السلع الغذائية، بل امتدت إلى خدمات التعليم والصحة والمواصلات، حيث ارتفعت أسعار الدروس الخصوصية والعيادات الخاصة والأدوية، ما أثقل كاهل الأسر متوسطة الدخل.

4. ضغط نفسي واجتماعي

يُسبب التضخّم شعورًا عامًّا بعدم الاستقرار الاقتصادي والقلق من المستقبل. المواطن لا يعرف إلى متى ستستمر الأسعار في الارتفاع، وهو ما يخلق توترًا نفسيًا واجتماعيًا داخل الأسرة.

كيف تواجه الدولة التضخّم؟

يعمل البنك المركزي المصري على مواجهة التضخّم عبر أدوات السياسة النقدية، أهمها رفع أسعار الفائدة لجذب الودائع وتقليل السيولة النقدية في الأسواق، وبالتالي خفض الطلب على السلع. كما تسعى الحكومة إلى دعم الإنتاج المحلي للحدّ من الاستيراد الذي يُشكل ضغطًا على الدولار.

كما أطلقت الدولة حزم حماية اجتماعية جديدة، مثل زيادة معاش «تكافل وكرامة»، وتوسيع منافذ السلع المخفضة مثل «أهلاً رمضان» و«خير بلدنا»، لتخفيف العبء عن الأسر محدودة الدخل.

هل يلمس المواطن نتائج هذه الإجراءات؟

رغم محاولات السيطرة على الأسعار، إلا أن المواطن العادي لا يشعر بتحسّن ملموس حتى الآن. فالزيادات المتكررة في أسعار الوقود والكهرباء تُعيد الضغط على الأسواق من جديد، في ظل ثبات الرواتب والدخول. ويقول خبراء إن السيطرة على التضخّم تتطلب وقتًا وتعاونًا بين السياسة المالية والنقدية والإنتاجية.

التضخّم ومستقبل الاقتصاد المصري

بحسب محللين، من المتوقع أن يظل معدل التضخّم في مصر في حدود 11-13% حتى نهاية العام 2025، قبل أن يبدأ بالتراجع التدريجي مع زيادة إنتاج الطاقة والغذاء محليًا. ويُرجّح أن تواصل الحكومة رفع أسعار الفائدة مؤقتًا، مع التركيز على جذب استثمارات في قطاعات الزراعة والتصنيع لتقليل الاعتماد على الاستيراد.

نصائح للمواطنين لمواجهة التضخّم

  • إدارة الميزانية بحكمة: دوّن مصروفاتك الشهرية وحدد أولوياتك لتقليل الإنفاق غير الضروري.
  • البحث عن مصادر دخل إضافية: عبر الأعمال الحرة أو المشروعات الصغيرة أو الدورات التدريبية الرقمية.
  • الشراء الذكي: قارن الأسعار، واستفد من العروض والتخفيضات الموسمية.
  • التخطيط المسبق: حاول شراء السلع الأساسية بالجملة أو في المواسم الأقل طلبًا.
  • الادخار ولو جزئيًا: خصّص نسبة بسيطة من دخلك للادخار تحسبًا لأي ارتفاعات مفاجئة.

خلاصة القول

يُظهر التضخّم في مصر اليوم كيف تؤثر المؤشرات الاقتصادية الكبرى في حياة الناس اليومية. فبينما تتحدث الأرقام عن نسب مئوية، يتحدث المواطن عن أسعار الخبز والدواء والمواصلات.

المعركة الحقيقية ليست في البيانات، بل في الأسواق وموائد المصريين. وإذا نجحت الدولة في تحقيق توازن بين ضبط الأسعار وزيادة الدخل والإنتاج المحلي، فقد يكون ذلك الخطوة الأهم نحو تخفيف العبء عن المواطن البسيط وتحقيق استقرار اقتصادي حقيقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *