الرفاعي عيد يكتب: عودة ترامب: هل يعيد التاريخ نفسه؟

في 20 يناير 2025، عاد دونالد ترامب إلى البيت الأبيض بعد فوزه في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ليصبح الرئيس الخامس والأربعين الذي يتولى منصبه لفترة غير متتالية.
ولعل عذه العودة أثارت جدلًا واسعًا، خاصة بعد إرثه المثير للجدل في فترة ولايته الأولى، حيث اتسمت إدارته بالقرارات المتهورة والصدامات السياسية الحادة، داخليًا وخارجيًا، وبينما يحتفل أنصاره بهذه العودة، يخشى الكثيرون، في الداخل الأمريكي وخارجه، من تبعاتها على الساحة الدولية، وخاصة في الشرق الأوسط.
عُرف ترامب خلال ولايته الأولى بأسلوبه الفج وغير التقليدي في إدارة الملفات السياسية والاقتصادية، فعلى المستوى الداخلي، واجه عزلتين في الكونجرس، وفضائح سياسية متكررة، إلى جانب اتهامات بعرقلة العدالة، وسوء التعامل مع الوثائق السرية، وخطابه التحريضي الذي بلغ ذروته في اقتحام مبنى الكابيتول في 6 يناير 2021.
أما خارجيًا، فقد اعتمد ترامب على سياسة “أمريكا أولًا”، التي أضعفت التحالفات التقليدية للولايات المتحدة، وأثارت قلق الحلفاء الأوروبيين، خصوصًا مع تهديده المتكرر بالانسحاب من الناتو، فضلًا عن مواقفه المثيرة للجدل في الشرق الأوسط، حيث اتخذ قرارات غير مسبوقة مثل نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، والاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل، ما أدى إلى تصعيد التوترات الإقليمية.
إحدى أبرز القضايا التي واجهها ترامب قبل عودته للبيت الأبيض كانت فضيحة الوثائق السرية، إذ وُجهت إليه 37 تهمة تتعلق بإساءة التعامل مع وثائق تحتوي على أسرار نووية ومعلومات حساسة حول خطط عسكرية أمريكية، ووفقًا للائحة الاتهام، احتفظ ترامب بهذه الوثائق في أماكن غير آمنة داخل منتجعه في فلوريدا، مثل قاعة الرقص والحمام، كما حاول عرقلة التحقيقات الفيدرالية في القضية.
ورغم هذه القضايا، لم يتمكن خصومه من منعه من الترشح والفوز بالانتخابات، مستفيدًا من قاعدة جماهيرية قوية بين الناخبين الجمهوريين، الذين رأوا في ملاحقته محاولة “انتقام سياسي” من المؤسسة التقليدية في واشنطن.
لم تكن عودة ترامب إلى البيت الأبيض خبرًا سارًا لحلفاء الولايات المتحدة، خاصة في أوروبا. القادة الأوروبيون يخشون من سياسات غير متوقعة قد تعرّض تماسك حلف الناتو للخطر، وتعيد التوترات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، فضلًا عن التأثير المحتمل على الحرب الروسية الأوكرانية.
فخلال ولايته الأولى، كان ترامب على خلاف دائم مع حلفائه، وهدد بسحب الدعم الأمريكي من الناتو إذا لم تلتزم الدول الأوروبية بزيادة إنفاقها الدفاعي، واليوم، مع تصاعد التوترات بين روسيا وأوكرانيا، يخشى الأوروبيون من أن تقود سياسات ترامب إلى إضعاف الدعم الأمريكي لكييف، مما قد يمنح روسيا اليد العليا في النزاع.
منذ أيام حملته الانتخابية، عبّر ترامب عن رؤية مختلفة للشرق الأوسط، تتركز حول دعم غير محدود لإسرائيل، وتقليص الوجود الأمريكي في المنطقة، مع زيادة الضغوط على إيران، غير أن إحدى أكثر القضايا المثيرة للجدل التي ناقشها فريق ترامب خلال الأشهر الأخيرة كانت خطته لإخلاء قطاع غزة من الفلسطينيين.
بعد اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023، بدأ بعض مستشاري ترامب بالترويج لفكرة “إعادة توطين” الفلسطينيين خارج القطاع، بدعم من بعض الدوائر اليمينية في إسرائيل، ورغم أن الإدارة الأمريكية الحالية لم تتبنَّ رسميًا هذه الفكرة، إلا أن عودة ترامب قد تعني إحياء مثل هذه المشاريع المثيرة للجدل، خاصة مع وجود شخصيات يمينية متشددة في فريقه، تدفع باتجاه دعم إسرائيل دون قيد أو شرط.
من جهة أخرى، من المتوقع أن يتخذ ترامب موقفًا أكثر تشددًا تجاه إيران، حيث أبدى استعداده لإلغاء أي تفاهمات نووية تم التوصل إليها في عهد إدارة بايدن، والعودة إلى سياسة “الضغوط القصوى”، في حال نفذ ترامب وعوده، فقد يؤدي ذلك إلى تصعيد التوترات في المنطقة، وربما نشوب مواجهة مباشرة بين طهران وواشنطن.
أقسام تهمك:
نظرًا لموجة البرد القطبية التي ضربت واشنطن، جرت مراسم تنصيب ترامب داخل مبنى الكابيتول، في سابقة هي الأولى منذ 40 عامًا. ورغم سوء الأحوال الجوية، شهدت العاصمة الأمريكية حضورًا مكثفًا لأنصار ترامب، الذين توافدوا من مختلف الولايات، في مقابل احتجاجات مناوئة تخشى من تكرار نهجه المثير للجدل في الحكم.
مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، يعود معه الجدل والانقسام السياسي داخل أمريكا وخارجها. وبينما يراهن أنصاره على أنه “الزعيم القوي” القادر على إعادة الهيبة للولايات المتحدة، يخشى معارضوه من أن تعني هذه العودة تكرارًا للفوضى والاضطرابات التي ميزت سنوات حكمه الأولى.
في ظل تصاعد الأزمات العالمية، ستبقى الأنظار موجهة إلى البيت الأبيض، لمعرفة ما إذا كان ترامب سيواصل سياساته المتهورة، أم أنه سيتبنى نهجًا أكثر براغماتية في فترة حكمه الثانية.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .