المفتى: التراث ملىء بجوانب مضيئة تأخذ بيد العباد إلى الصلاح والنجاح

المفتى: التراث ملىء بجوانب مضيئة تأخذ بيد العباد إلى الصلاح والنجاح هذا هو موضوع مقالنا عبر موقعكم «المفيد نيوز»، حيث نجيبكم فيه على كافة الاسئلة، ونلقي الضوء على كل ما يهمكم في هذا الموضوع ..فتابعو السطور القادمة بمزيد من الاهتمام.
قال الدكتور نذير محمد عياد – مفتي الجمهورية رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم -: التراث حافل بالجوانب المضيئة التي تقود الإنسان إلى الصلاح والنجاح. واشتدت الحروب الفكرية، وتعانقوا وتعاونوا على تنفيذ مقاصد وأهداف الحروب المادية العسكرية، وعملوا معاً على النهوض بالقضاء. على هوية الأمة الإسلامية، والسعي لمحو معالمها، والسعي للقضاء على ما يميزها، من خلال مهاجمة تراثها الذي يمثل الركيزة الأساسية لبناء نهضتها ونشر دعوتها.
وأضاف خلال كلمته في مؤتمر “دور التراث العلمي للإمام الترمذي في الحضارة الإسلامية” المنعقد في مدينة ترمذ بأوزبكستان، أن هذا المؤتمر جاء في وقت أمتنا الإسلامية بأمس الحاجة إلى إذ نرى الحرب على هذا التراث العلمي والمعرفي هي التي غيرت خريطة العالم ونقلته إلى نقلة نوعية. واستطاع به أن يخرج من حال الضيق إلى الرحب، ومن حال الظلمات إلى النور، ومن حال الجهل إلى العلم والمعرفة. وهذه الدولة التي خلقها التراث ليست غريبة، فقد استمدت تعاليمها من دعوة عالمية ورسالة عقلانية أخذت بيد العباد إلى طريق الصلاح والنجاح.
وأوضح أن التراث الإسلامي يحتاج إلى الكشف عنه والتعريف به وبأعلامه ورموزه، لأن ذلك يصحح الكثير من الأوهام والأخطاء التي يتم ترويجها عنه.
ثم إن الكشف عن هذا التراث وجهود أعلامه هو أكثر من مجرد تعريف بالإسلام ودعوة إليه، فهو يكشف أيضًا عن فضله للإنسانية جمعاء وأن الإنسانية مدينة لها بالكثير من نهضتها في العصور القديمة والحديثة، مما يلغي أسطورة العرق السامي والعرق الآري والاختلافات بينهما.
مؤكداً أن الحديث عن هذا التراث والكشف عن جهود أعيانه يؤدي إلى الكشف عن أماكن التقليد والتقليد، وجوانب العظمة، وأماكن العثور على الهداية إلى السلوك الطيب والكلمة الطيبة، التي يمكن أن تساهم في مواجهة مخاطر الإلحاد. وادعاءات الانحراف وعواقب الشذوذ الجنسي ورفض المادية بأبعادها القائمة على إنكار الدين. وخلاصة القول أننا ندرك مخاطر الحروب، وشرور الاختلاف، وأضرار الصراع، وآثار غياب القيم الروحية، وغياب الأخلاق، وتخلي الإنسانية عن إنسانيتها.
وفي ذات السياق، أشار سماحة المفتي إلى أن الحضارة الإسلامية قامت على أسس متينة، وضع أولى لبناتها سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الذي غرس مبادئ (العدل، المساواة والرحمة والتسامح)، فتغير الحال وأصبحت هناك أمة وحضارة تنافس كل الأمم، بل وتفوقت على كل الحضارات. وهذا هو الأمر الذي وقف أمامه كثير من علماء التاريخ والحضارة والمستشرقين بذهول واستغراب، فانصرفوا إلى دراسة هذا الدين ومعرفة أسباب نهضته وحضارته.
وأضاف: إن دولة أوزبكستان لها جذورها في أعماق التاريخ القديم، وقد أعطاها الله موقعاً فريداً أعطاها أهمية كبيرة، فهي حلقة الوصل بين الشرق الأدنى والأوسط، ومنتدى ومركز رئيسي. لتبادل (الثقافات والعلوم والفنون).
وبما أن تلك الدول عرفت الدين الإسلامي وإلى يومنا هذا نجدها شريكا أصيلاً في صناعة مجد الحضارة الإسلامية. وكلنا نعرف المدارس العلمية التي أخرجت لنا أئمة في مختلف العلوم من (سمرقند، وبخارى، وترمذ، وغيرها)، هذه البلاد المباركة التي أشرق -ولا يزال- نورها على الساحل الشرقي. الأرض وغربها، وقدم للحضارة الإسلامية قادة عظماء وعلماء متميزين تركوا بصمات خالدة في تاريخ الإنسانية، وأضاءوا سماء العلم والمعرفة، وجعلوا بلادهم منارة للعالم أجمع!
كما تطرق المفتي إلى ما قام به علماء المسلمين في خدمة السنن والأحاديث من خلال علوم الحديث، مؤكدا أن هذا الدور كان من أهم العوامل التي أدت إلى قيام هذه الحضارة وازدهارها. أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- ليست مجرد روايات تُروى! بل هو المصدر الثاني للاستدلال في ديننا الحنيف!
ونحن في هذا المؤتمر العلمي الذي نتحدث فيه عن أحد أئمة الحديث في هذا البلد المبارك ودوره في الحضارة الإسلامية، اسمحوا لي أن أسأل: ماذا لو لم يثبت علماؤنا علوم الحديث الإسناد؟ والعيوب والجرح والحديث؟!
وتابع: والحقيقة أن هذه العلوم – التي كان لعلماء هذا البلد نصيب كبير منها – هي التي حفظت هذا الدين من خطر التحريف والتزوير! وإلا لشاعت الروايات (الملفقة والكاذبة) بين الناس، وتشوهت عقائدهم وشرائعهم، وكان من شأن ذلك أن يؤدي إلى كثرة الفتن والخلافات وتقسيم وحدة المسلمين. وبفضل الله تعالى ومنه وفضله استطاعت هذه العلوم أن تحفظ دين الأمة الإسلامية وأن تبني حضارة شامخة مبنية على أسس متينة من العلم والمعرفة.
وقال إن وضع قواعد وضوابط علمية ومنهجية لحفظ أحاديث النبي -صلى الله عليه وسلم- من التزوير والتحريف ونقلها إلينا أساس لأمر عظيم نصر الله به الدين ، وأن المرء يقف في حيرة أمام صبر ومثابرة علماء هذا الفن في دراستهم! لتعيين لكل من رواة الحديث مرتبته ومكانته في نقل الروايات والأخبار، مما أثار استغراب بعض الباحثين الغربيين لاهتمام علماء الإسلام بالإسناد، مما يجعل الاستحالة – على حد تعبيرهم – مستحيلة وفق قانون الإسناد. واحتمالات بطلان كل هذه السلاسل التي انتشرت خلال هذه الفترة الطويلة وعبر المناطق الجغرافية. متنوع وضد هذا العدد الكبير من الرجال !! ورغم كل ذلك تبقى سلسلة انتقال العدوى مستمرة إلى حد كبير ولا تنقطع!
كما لفت المفتي إلى أن علوم الحديث عند المسلمين لم تكن مجرد أداة لحفظ النصوص الدينية، بل كانت منهجًا علميًا دقيقًا في نقد الأخبار وتوثيقها. وقد استلهم علماء الحضارة والتاريخ الغربيين من المسلمين هذا المنهج الدقيق في دراسة الماضي، وتحليل المصادر، والتمييز بين الصواب والخطأ، وتطوير أدوات البحث والنقد في دراسة التاريخ. وهذا التأثير يبين لنا كيف ساهم التراث الإسلامي بشكل عام وعلوم السنة بشكل خاص في الحضارة الإنسانية.
قال: أتكلم الآن من بلد مبارك صاحب الحظوظ الأكبر في بناء وتأسيس وتأليف علوم السنة، تلك البلدان التي أمدت الحضارة الإسلامية بأعظم الأئمة في هذا العلم، ومنهم الإمام محمد بن عيسى آل محمد. الترمذي. ويكفي قول الإمام البخاري فيه: (ما استفدت منك أكثر مما استفدت مني) وقد جعله الإمام البخاري في مشايخه الذين روى عنهم. وقد قدم الإمام الترمذي مختلفاً عظيماً إسهاماته في الحضارة الإسلامية، ومنها: حرصه على تأليف وتدوين العلوم التي رآها واجبة على ذلك الوقت، وفي هذا يقول: (وما حملنا إلا على ما بيناه وفي هذا الكتاب أقوال الأئمة). الفقهاء وأسباب الحديث، لأننا سئلنا عن هذا فلم نفعله مدة، ثم فعلناه عندما كنا نرجو أن ينفع الناس….) ولهذا نراه يراعى وفي منهجه ما يناسب العوام لينفعهم، فكانت ترجماته للحديث واضحة وواضحة في معناها.
وكذلك مساهمة الإمام الترمذي في تطوير منهجية تصنيف الأحاديث النبوية من خلال كتابه الشهير “الجامع” المعروف أيضاً بـ”سنن الترمذي” والذي حاول فيه الجمع بين ما ميز بين الحديثين. صحيح. وقد جمع الترمذي بين الجانب الفقهي الذي ميز البخاري وصناعة الحديث التي ميز مسلم كتابه، فأنتج هذا الكتاب العظيم الذي كان يحظى بتقدير العلماء. قال عنه الحنفية (طاش الكبرى زاده): “وهو أحسن الكتب وأنفعها وأحسن ترتيبا وأقلها تكرارا، وفيه ما لا يوجد في سائر المذاهب، مع ذكر المذاهب والوسائل”. في الاستدلال، وبيان أنواع الحديث من الصحيح». والحسن، والغريب، وفيه جراح وتعديلات، وفي آخره كتاب العلل، فيه فوائد طيبة مجمعة، لا يخفى قيمته على من قرأه».
كما أن “الجامع” للترمذي حفظ لنا نوادر المذاهب الفقهية، وتفضيله بين المذاهب، وهو ما جعل العلماء يعتبرون مجموعته من أوائل الكتب التي اهتمت بالفقه المقارن. وهنا سمة ثقافية في نقلها للمذاهب الفقهية المتعددة، مع عدم التعصب لمذهب واحد.
كما ساهم الإمام الترمذي في طريقة نقد الحديث. وقد قدم الترمذي في كتابه “العلل الصغير” الذي ضمه إلى مجموعته تحليلا دقيقا للأحاديث الضعيفة مع ذكر أسباب ضعفها سواء من حيث الإسناد أو النص.
كما حرص الإمام الترمذي على ذكر أسانيده في آراء المذاهب الفقهية التي نقلها، وهنا يرسي مبدأ توثيق الآراء والتأكيد على أهمية الإسناد الذي ميز علماء الإسلام وكان له باع طويل. تأثير كبير على الحضارة الإسلامية.
وفي ختام كلمته أكد المفتي أن دور الإمام الترمذي في الحفاظ على السنة النبوية وبناء علوم الحديث وقواعد الإسناد ونقد الرواة كان دورا محوريا في تاريخ أمتنا. وكان لها انعكاسات واضحة في بناء الحضارة الإسلامية. وأعرب عن سعادته الصادقة بمشاركته في هذا المؤتمر العلمي الدولي في هذه الأوقات. جاءت الكوكبة من جميع أنحاء العالم. كما أكد أن دار الإفتاء المصرية وبدعم كامل من الدولة المصرية (حفظها الله) تتطلع وتطمح وتتوق إلى التعاون الجاد مع كافة الهيئات والمؤسسات الإفتائية والبحثية والعلماء والمفكرين. وبما يخدم أمتنا والحضارة الإنسانية.
للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .