الإسلام المفيد

«كفارة الصيام للمريض بالمال».. متى تجوز؟ وكيف تُخرج بالشكل الصحيح؟ 🕌

✍️ كتب: يحيى إبراهيم

كثير من المرضى يجدون أنفسهم عاجزين عن الصيام، ويزداد القلق حين لا تتحسن حالتهم الصحية، فيتكرر السؤال: هل تجوز كفارة الصيام للمريض بالمال؟ ومتى يكون الإطعام واجبًا بدل الصيام؟ هذا الموضوع من أكثر المسائل الفقهية بحثًا، لما له من ارتباط مباشر بالعبادة والذمة الشرعية.

في هذا التقرير من المفيد نيوز، نوضح الحكم الشرعي لكفارة الصيام للمريض، والفرق بين القضاء والفدية، ومتى يجوز إخراج المال بدل الطعام، بصياغة مبسطة ودقيقة.


من هو المريض الذي تُشرع له كفارة الصيام؟

الشرع فرّق بوضوح بين نوعين من المرضى:

المريض مرضًا مؤقتًا يُرجى شفاؤه
وهو من يستطيع الصيام لاحقًا بعد تحسن حالته، مثل نزلات البرد الشديدة أو العمليات الجراحية المؤقتة.
هذا المريض لا تجب عليه كفارة بالمال، وإنما يجب عليه قضاء الأيام بعد الشفاء.

المريض مرضًا مزمنًا لا يُرجى شفاؤه
وهو من قرر الأطباء الثقات أن الصيام يضرّه ضررًا دائمًا أو لا يستطيع تحمله مستقبلًا.
هذا هو المريض الذي تجب عليه الفدية بدل الصيام.


ما المقصود بكفارة الصيام للمريض؟

كفارة الصيام للمريض – وتُسمى فقهيًا «الفدية» – هي إطعام مسكين عن كل يوم أفطره المريض إذا كان عاجزًا عن الصيام عجزًا دائمًا.

والأصل في ذلك قوله تعالى:
﴿وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ﴾


هل تجوز كفارة الصيام للمريض بالمال؟

الأصل في الفدية هو الإطعام، أي تقديم الطعام للمسكين.
لكن الفقهاء توسعوا في المسألة مراعاة لأحوال الناس، وقرروا ما يلي:

يجوز إخراج المال بدل الطعام
إذا كان المال سيُستخدم في توفير الطعام فعليًا للمسكين، أو كان أنفع له من الطعام الجاهز.

وبذلك، فإن إخراج القيمة النقدية جائز عند كثير من أهل العلم، خاصة إذا كان ذلك أيسر للمريض وأنفع للفقير.


مقدار كفارة الصيام للمريض بالمال

تقدير الفدية يختلف باختلاف الزمان والمكان، لكنها تُحسب على أساس:

إطعام مسكين واحد عن كل يوم
ويكون الإطعام بما يُشبع المسكين من الطعام المعتاد في البلد.

وعند إخراج المال، يُقدَّر بما يعادل وجبة مشبعة متوسطة، وليس أقل من ذلك.
والأحوط دائمًا إخراج ما يغلب على الظن أنه يحقق الإطعام الكامل.


هل يجوز دفع الكفارة دفعة واحدة؟

نعم، يجوز للمريض:

  • إخراج الفدية يومًا بيوم

  • أو إخراجها دفعة واحدة عن جميع الأيام

كلا الأمرين جائز شرعًا، ولا حرج فيه، ما دام عدد الأيام محسوبًا بدقة.


هل الكفارة تسقط إذا شُفي المريض؟

إذا كان المرض:

  • مؤقتًا، ثم شُفي المريض
    → لا كفارة عليه أصلًا، وإنما يجب عليه القضاء فقط.

أما إذا:

  • كان المرض مزمنًا وقت الإفطار

  • ثم شُفي لاحقًا على غير المتوقع

فلا يلزمه القضاء، لأن الفدية أُخرجت عن عجز حقيقي وقتها، وقد برئت الذمة بذلك.


الفرق بين كفارة الصيام والفدية

من المهم التمييز بين المصطلحين:

كفارة الصيام
تكون بسبب مخالفة متعمدة في الصيام، مثل الإفطار عمدًا بلا عذر، ولها أحكام أشد.

فدية الصيام
تكون بدل الصيام لعجز دائم، كما في حالة المريض المزمن أو الكبير في السن.

وما نتحدث عنه هنا هو الفدية وليس الكفارة المغلظة.


هل يجوز إعطاء الفدية لشخص واحد؟

يجوز إعطاء:

  • فدية يوم واحد لمسكين واحد

  • أو إعطاء عدة أيام لمسكين واحد

كلاهما جائز، ولا يشترط التعدد، ما دام العدد محسوبًا.


هل يجوز إخراج الفدية للأقارب؟

يجوز إعطاء الفدية للأقارب:

  • إذا كانوا فقراء

  • بشرط ألا يكونوا ممن تجب نفقتهم على المريض

فلا تُعطى الفدية للأصول أو الفروع الذين تلزم نفقتهم شرعًا.


متى لا تجوز كفارة الصيام بالمال؟

لا تجوز الفدية في الحالات التالية:

  • إذا كان المريض قادرًا على الصيام

  • إذا كان المرض مؤقتًا

  • إذا كان يمكنه القضاء لاحقًا

في هذه الحالات، لا يُجزئ المال، ويجب الصيام أو القضاء فقط.


الحكمة من تشريع الفدية

تشريع الفدية يعكس رحمة الشريعة، حيث:

فكانت الفدية بابًا للتيسير، وربطًا بين العبادة والتكافل الاجتماعي.


خاتمة

مسألة كفارة الصيام للمريض بالمال من الأحكام التي تحتاج فهمًا دقيقًا، حتى لا يقع المسلم في تفريط أو تشدد.
القاعدة الواضحة هي:
من عجز عجزًا دائمًا، فله الفدية، ويجوز له إخراجها مالًا إذا تحقق بها الإطعام.
أما القادر أو من يُرجى شفاؤه، فليس له إلا القضاء.

الفهم الصحيح للحكم هو الطريق لعبادة مطمئنة وذمة بريئة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى