حكم معاشرة الزوجة بالإكراه: قراءة شرعية فقهية هادئة بين النص والمقاصد
✍️ كتب: سارة إبراهيم
في لحظة توتر أو خلاف قد يتحول الفهم الخاطئ للحقوق الزوجية إلى جرح عميق في كيان الأسرة، وتبرز أسئلة مؤلمة تمس الضمير قبل الحكم الشرعي. هل يبيح الدين الإكراه؟ وهل تُختزل العلاقة الزوجية في حق يُنتزع بالقوة؟ هذا الملف التحليلي من المفيد نيوز يفتح القضية بهدوء، ويضع النصوص في سياقها الصحيح، ويقرأ آراء العلماء قراءة تجمع بين الدليل والمقاصد، بعيدًا عن التهويل أو التبرير
معنى المعاشرة الزوجية في الإسلام
المعاشرة في المنظور الشرعي ليست فعلًا جسديًا مجردًا، بل علاقة مودة ورحمة وسكن. القرآن الكريم أسس لهذا المعنى بقوله تعالى ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً﴾
هذا التعريف القرآني يضع الإطار العام لأي نقاش فقهي لاحق، فالأصل هو الرضا والتآلف لا القهر والإجبار
ما المقصود بالإكراه في الفقه الإسلامي
الإكراه في اصطلاح الفقهاء هو حمل الإنسان على فعل ما لا يريده بغير حق، باستخدام التهديد أو القوة أو الضرر. وهو يختلف عن الطلب أو الإلحاح أو الحوار. وعند إسقاط هذا المفهوم على العلاقة الزوجية، يصبح السؤال: هل يملك أحد الزوجين حق إجبار الآخر على المعاشرة؟
الحكم الشرعي لمعاشرة الزوجة بالإكراه
اتفق جمهور العلماء على أن الإكراه في المعاشرة مخالف لمقاصد الشريعة، وإن اختلفوا في توصيف الحكم بين التحريم الصريح أو التحريم من جهة الضرر والظلم
المعاشرة بالإكراه تُخرج العلاقة من كونها سكنًا ومودة إلى اعتداء، وهو ما يتنافى مع قاعدة «لا ضرر ولا ضرار» التي تُعد من القواعد الكبرى في الفقه الإسلامي
هل يجوز العنف بالجماع
سؤال يتكرر بكثرة: هل يجوز العنف بالجماع؟
الجواب الشرعي الواضح أن العنف مرفوض، سواء كان في الجماع أو غيره. النبي ﷺ ما ضرب امرأة قط، وكان يقول «خيركم خيركم لأهله»
العنف لا يقره الشرع، ولا يُعتبر وسيلة مشروعة لنيل الحقوق، بل هو إثم وعدوان، ويزداد الإثم إذا كان مقرونًا بإيذاء نفسي أو جسدي
رأي الشيخ ابن باز في معاشرة الزوجة بالإكراه
عند البحث في حكم معاشرة الزوجة بالإكراه ابن باز نجد أن الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله يؤكد على أن المعاشرة يجب أن تكون بالمعروف، وأن الإضرار بالزوجة أو إيذاءها محرم
وقد بيّن أن العلاقة الزوجية قائمة على التفاهم، وأن الإكراه يوقع في الظلم، والظلم محرّم شرعًا، حتى وإن كان بين زوجين
حق الزوج في المعاشرة وحدوده
من المعلوم فقهيًا أن للزوج حقًا في المعاشرة، لكن هذا الحق ليس مطلقًا، بل مقيد بالمعروف وعدم الإضرار. الحقوق في الإسلام تقابلها واجبات، ولا تُمارس بمعزل عن الأخلاق
فلا يجوز للزوج أن يستعمل حقه بطريقة تُلحق ضررًا بزوجته نفسيًا أو جسديًا، لأن الشريعة لا تُقر حقًا يُفضي إلى ظلم
حكم رفض الزوجة للجماع بسبب عدم الرغبة
يُثار كثيرًا سؤال حكم رفض الزوجة للجماع بسبب عدم الرغبة
الأصل أن الزوجة تُلبي طلب زوجها ما لم يكن هناك عذر معتبر، لكن عدم الرغبة قد يكون عذرًا إذا كان ناتجًا عن تعب، أو مرض، أو أذى نفسي، أو خلاف شديد
الفقهاء يفرقون بين الامتناع الدائم بلا سبب، وبين الاعتذار المؤقت بعذر حقيقي
حكم رفض الزوجة للجماع بسبب عدم الرغبة عند ابن باز
في مسألة حكم رفض الزوجة للجماع بسبب عدم الرغبة ابن باز، أوضح الشيخ أن الزوجة إذا كان لديها عذر شرعي أو ضرر محقق، فلا إثم عليها في الامتناع
كما أكد أن على الزوج مراعاة حال زوجته، وأن الإكراه لا يجوز، وأن الإصلاح بالحكمة أولى من التشدد
حكم امتناع الزوجة عن زوجها بسبب الضرب
إذا كان الامتناع ناتجًا عن ضرب أو إيذاء، فالحكم يختلف جذريًا. حكم امتناع الزوجة عن زوجها بسبب الضرب أن لها الحق في الامتناع، لأن الضرر هنا واقع ومحقق
الضرب المحرم شرعًا يسقط المطالبة بالمعاشرة، ويُوجب على الزوج التوبة والكف عن الأذى، وقد يترتب عليه تدخل القضاء الشرعي لرفع الظلم
الفرق بين النشوز والدفاع عن النفس
النشوز في الفقه هو امتناع الزوجة بلا سبب شرعي عن حقوق زوجها، أما الامتناع بسبب الإيذاء أو الخوف أو الضرر، فليس نشوزًا
هذا التفريق مهم لأنه يمنع تحميل الضحية وزر الظلم الواقع عليها
المقاصد الشرعية في العلاقة الزوجية
الشريعة لا تنظر إلى الأحكام نظرة جامدة، بل تربطها بالمقاصد
ومن أعظم مقاصد الزواج
حفظ النفس
حفظ الكرامة
تحقيق السكن
منع الظلم
أي ممارسة تُهدر هذه المقاصد تُعد مخالفة لروح الشريعة وإن تم تبريرها بنص مبتور أو فهم ناقص
الآثار النفسية للإكراه في المعاشرة
الإكراه لا يترك أثرًا جسديًا فقط، بل يزرع نفورًا، وكراهية، وانكسارًا نفسيًا قد يدمر العلاقة على المدى الطويل
وقد يؤدي إلى
برود عاطفي
اضطرابات نفسية
تفكك أسري
كره العلاقة الزوجية نفسها
وهذا كله يناقض مقصد الشريعة في بناء أسرة مستقرة
مسؤولية الزوج في الإصلاح
الإسلام حمّل الزوج مسؤولية القيادة بالمعروف، لا بالسيطرة
ومن وسائل الإصلاح
الحوار
الرفق
الصبر
الاستشارة
العلاج النفسي أو الأسري إن لزم
القوة لم تكن يومًا وسيلة إصلاح شرعية
متى يكون الامتناع معصية ومتى يكون حقًا
الميزان الفقهي دقيق
الامتناع بلا سبب ولا ضرر مع الإصرار قد يكون معصية
الامتناع بسبب أذى، أو خوف، أو مرض، أو ضغط نفسي شديد هو حق مشروع
والفيصل في ذلك هو وجود الضرر من عدمه
الأسئلة الشائعة
هل معاشرة الزوجة بالإكراه جائزة شرعًا
لا، الإكراه مخالف لمقاصد الشريعة، ويُعد ظلمًا وإيذاءً محرمًا
هل يجوز العنف بالجماع
لا يجوز، والعنف مرفوض شرعًا وأخلاقيًا
ماذا لو رفضت الزوجة بسبب عدم الرغبة
إن كان الرفض لعذر معتبر فلا إثم، وإن كان بلا سبب فالأصل الإصلاح بالحكمة لا الإكراه
ما حكم الامتناع بسبب الضرب
لها الحق في الامتناع، والضرب المحرم يسقط المطالبة بالمعاشرة
حكم أداء العمرة بمال سلف: رحلة بين الأجر والقرض
هل ذكر العلماء هذه المسائل صراحة
نعم، وتناولها كبار العلماء بوضوح، مؤكدين على المعاشرة بالمعروف
الخلاصة
قضية حكم معاشرة الزوجة بالإكراه ليست مسألة فقهية جافة، بل قضية إنسانية أخلاقية قبل كل شيء
الإسلام لم يُشرّع الزواج ليكون ساحة صراع، بل موضع سكن ورحمة، وكل فهم يبرر الإكراه أو العنف هو فهم مبتور يخالف النص والمقصد.
هذا المقال التحليلي من المفيد نيوز يضع النقاط في مواضعها، ويعيد النقاش إلى مساره الصحيح، حيث لا حق بلا معروف، ولا معروف مع الظلم










