العالم

تسوية مفروضة أم سلام قسري؟ هل تُدفع أوكرانيا نحو اتفاق غير عادل مع روسيا

✍️ كتب: إسلام فريد

وسط ضجيج المعارك المستمرة على الأراضي الأوكرانية، يبرز سؤال أكثر خطورة من صوت القصف نفسه: هل تقترب الحرب من نهايتها عبر تسوية سياسية لا تعكس ميزان العدالة بقدر ما تُجسّد ميزان القوة؟

سؤال بات مطروحًا بقوة في الأروقة الدبلوماسية الغربية، مع تزايد الحديث عن حلول سياسية قد تضع أوكرانيا أمام خيارات صعبة.

فبعد سنوات من القتال، لم تعد القضية محصورة في من ينتصر عسكريًا، بل في شكل النهاية الممكنة، وحدود التنازلات التي قد تُفرض تحت ضغط الاستنزاف وتغير الأولويات الدولية.

الحرب الروسية الأوكرانية والتوازنات الدولية

جمود ميداني بلا حسم واضح

منذ اندلاع الحرب، لم يتمكن أي طرف من تحقيق نصر حاسم.

روسيا رسخت وجودها في مناطق استراتيجية شرق وجنوب أوكرانيا، بينما نجحت كييف، بدعم غربي واسع، في منع انهيار الدولة والحفاظ على تماسك مؤسساتها.

هذا الجمود الميداني، الذي يوصف عسكريًا بحالة الاستنزاف طويل الأمد، غالبًا ما يكون مقدمة لتحولات سياسية كبرى، حيث تصبح التسوية خيارًا أقل كلفة من استمرار الحرب.

التحول في المزاج الغربي

في بدايات الصراع، كان الموقف الغربي موحدًا خلف أوكرانيا، سياسيًا وعسكريًا واقتصاديًا. لكن مع مرور الوقت، بدأت الحسابات الداخلية تطفو على السطح، خصوصًا في ظل الضغوط الاقتصادية، وأزمات الطاقة، وتزايد الإنفاق العسكري.

الولايات المتحدة تواجه استحقاقات داخلية وانتخابية، بينما تجد دول أوروبية نفسها أمام رأي عام متردد في دعم حرب طويلة الأمد بلا نهاية واضحة.

الدعم الغربي لأوكرانيا والتغيرات السياسية

لغة جديدة في الخطاب السياسي

اللافت في المرحلة الأخيرة هو تغير المفردات المستخدمة في الخطاب الغربي. مصطلحات مثل الحل الواقعي، ووقف إطلاق نار مستدام، وتجميد خطوط التماس، باتت أكثر حضورًا، ما يعكس استعدادًا ضمنيًا لقبول تسوية لا تعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب.

هذا التحول اللغوي لا يعني تخليًا معلنًا عن أوكرانيا، لكنه يكشف عن إعادة ترتيب للأولويات، حيث تصبح إدارة الأزمة هدفًا بحد ذاته.

أوكرانيا بين الثبات والضغوط

تُعلن القيادة الأوكرانية تمسكها الكامل بسيادتها ورفضها لأي اتفاق يعترف بالسيطرة الروسية على أراضٍ أوكرانية. هذا الموقف يحظى بدعم شعبي واسع، ويستند إلى مبدأ قانوني واضح.

غير أن الواقع الاقتصادي والعسكري يفرض تحديات متزايدة. فالحرب أثقلت كاهل الدولة، والبنية التحتية تعرضت لدمار واسع، والاعتماد على الدعم الخارجي بات عنصرًا حاسمًا في استمرار الصمود.

القيادة الأوكرانية وضغوط الحرب

الرهان الروسي على عامل الزمن

في المقابل، تتبنى موسكو استراتيجية تقوم على الصبر الاستراتيجي. فبرغم العقوبات الغربية، استطاعت روسيا التكيف مع الضغوط، وتراهن على أن الإرهاق سيصيب داعمي أوكرانيا قبل أن يصيبها.

الكرملين لا يُظهر استعجالًا للدخول في مفاوضات شاملة، لكنه يترك الباب مفتوحًا، في انتظار لحظة يصبح فيها الطرف الآخر أكثر استعدادًا لتقديم تنازلات.

هل تعني التسوية بالضرورة الظلم

ليست كل تسوية سياسية ظالمة بطبيعتها، لكن العدالة ترتبط بمدى توازن الأطراف أثناء التفاوض. عندما تأتي التسوية في ظل اختلال واضح في موازين القوة، فإنها قد تحمل بذور صراع جديد بدلًا من إنهاء الصراع القائم.

التاريخ الحديث مليء باتفاقيات أنهت حروبًا مؤقتًا، لكنها فشلت في تحقيق سلام دائم لأنها تجاهلت الأسباب الجوهرية للأزمات.

مفاوضات السلام والتوازنات الدولية

السيناريوهات المحتملة

السيناريو الأول يتمثل في استمرار الحرب مع دعم غربي متذبذب، ما يعني استنزافًا طويل الأمد دون تغيير جذري في الخريطة السياسية.

السيناريو الثاني يقوم على وقف إطلاق نار وتجميد خطوط القتال، دون اعتراف رسمي بالسيطرة الروسية، لكنه يكرس واقعًا جديدًا بحكم الأمر الواقع.

أما السيناريو الثالث، والأكثر حساسية، فيتمثل في تراجع كبير في الدعم الغربي، ما يدفع أوكرانيا إلى قبول اتفاق غير متوازن مقابل ضمانات أمنية وسياسية.

ماذا تعني التسوية غير العادلة

تعني فقدان أراضٍ تحت ضغط القوة العسكرية، وخلق سابقة خطيرة في النظام الدولي، وإضعاف مبدأ سيادة الدول، وهو ما يجعل تداعياتها تتجاوز حدود أوكرانيا لتطال النظام العالمي ككل.

الأسئلة الشائعة

هل تُجبر أوكرانيا فعليًا على توقيع تسوية

لا يوجد إجبار رسمي، لكن الضغوط السياسية والاقتصادية قد تجعل هامش الخيارات محدودًا.

هل تغير الموقف الغربي بشكل جذري

لم يتغير جذريًا، لكنه أصبح أكثر براغماتية وأقل اندفاعًا مما كان عليه في بداية الحرب.

هل يمكن أن تنهي التسوية الحرب نهائيًا

قد تنهي القتال، لكنها لا تضمن بالضرورة سلامًا دائمًا إذا لم تُعالج جذور الصراع.

الخلاصة

الحرب في أوكرانيا تقترب من مرحلة مفصلية، حيث لم يعد السؤال متى تنتهي، بل بأي شروط. بين ضغوط الواقع وحسابات السياسة، تقف كييف أمام خيارات معقدة، قد لا يكون أي منها مثاليًا.

في عالم تحكمه المصالح بقدر ما تحكمه المبادئ، قد لا تُفرض التسوية بالقوة المباشرة، لكنها قد تأتي نتيجة تراكم الضغوط، لتتحول من خيار سياسي إلى أمر واقع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى