هل شهادات الادخار حلال أم حرام؟ فتوى تفصيلية تكشف الحكم الحقيقي الذي يبحث عنه الجميع
✍️ كتب: تقى ماهر
تُعد شهادات الادخار والاستثمار من أكثر الأدوات المالية انتشارًا في العالم العربي، إذ يلجأ إليها الملايين من الأشخاص الذين يبحثون عن وسيلة آمنة لحفظ أموالهم والحصول على عائد ثابت شهري أو سنوي.
لكن انتشار هذه الشهادات ترافق دومًا مع سؤال حساس: هل شهادات الادخار حلال أم حرام؟ وهل العائد الذي يحصل عليه العميل يعتبر ربا، أم يدخل ضمن المعاملات الجائزة شرعًا؟
هذا السؤال ليس مجرد نقاش فقهي عابر، بل قضية تمس حياة الناس اليومية، لأنها ترتبط بادخار المستقبل، ورعاية الأسرة، وسداد الالتزامات، وحماية قيمة المال في ظل التضخم.
ولأن الأمر يثير الحيرة لدى كثير من الناس، فقد حاول العلماء، والمؤسسات الدينية الرسمية، واللجان الشرعية المتخصصة، وضع ضوابط واضحة للتمييز بين المعاملة الجائزة والمحظورة.
هذا المقال يقدم رؤية شاملة للموضوع، مع تحليل لأبرز الفتاوى المعاصرة، بما في ذلك آراء دار الإفتاء المصرية، الأزهر الشريف، موقع إسلام ويب، الشيخ ابن باز، والشيخ ابن عثيمين، إضافة إلى شرح حكم شهادات الاستثمار ذات العائد الشهري أو المتغير، مع توضيح موقف حكم شهادات الاستثمار البنك الأهلي باعتباره الأكثر انتشارًا.
مفهوم شهادات الادخار وطبيعة التعامل فيها
شهادات الادخار أو الاستثمار تصدرها البنوك بهدف جمع الأموال من العملاء، مقابل تقديم عائد ثابت أو متغير يتم صرفه كل شهر أو ثلاثة أشهر أو سنة. البنك يستثمر هذه الأموال في أنشطة مختلفة، ثم يقدم العائد المتفق عليه مسبقًا.
المعاملة هنا ليست قرضًا شخصيًا بين فردين، بل عقد مالي تنظمه القوانين المصرفية وتحت إشراف الدولة، وهو ما جعل الفقهاء يختلفون في تكييفه الشرعي: هل هو قرض بفائدة وبالتالي يدخل في الربا، أم أنه استثمار بنكي مباح لعدم وجود عنصر الاستغلال؟
رأي المؤسسات الرسمية: هل شهادات الادخار حلال أم حرام؟
رأي دار الإفتاء المصرية
أعلنت مرارًا أن شهادات الاستثمار ليست حرامًا، والعائد منها حلال تمامًا.
دار الإفتاء ترى أن العلاقة بين العميل والبنك ليست قرضًا يُسترد بفائدة، بل هي معاملة استثمارية؛ لأن البنك جهة اعتبارية تستثمر الأموال في مشاريع قومية وتجارية وصناعية، وبالتالي ما يحصل عليه العميل هو جزء من الربح الذي تحدده الجهة القائمة على الاستثمار.
ولهذا جاء الجواب الرسمي في مسألة: هل شهادات الاستثمار حرام دار الإفتاء؟
الإجابة: جائزة شرعًا، والعائد منها حلال.
رأي الأزهر الشريف
اللجنة الشرعية بالأزهر أكدت الرأي نفسه، معتبرة أن شهادات الادخار ليست ربوية، وأن العائد الثابت لا يجعلها حرامًا، لأن البنك يعلن عن ربح محدد ناتج عن استثمارات حقيقية.
وبالتالي، فإن هل شهادات الاستثمار حرام الأزهر الشريف؟
الجواب: ليست حرامًا إذا كانت في البنوك الخاضعة للرقابة وتعمل وفق الضوابط القانونية.
رأي موقع إسلام ويب
على موقع إسلام ويب، جاء السؤال الشهير: هل فوائد شهادات الاستثمار حلال أم حرام إسلام ويب؟
الإجابة لديهم تحمل قدرًا من التفصيل والاختلاف، حيث تميل بعض اللجان الشرعية هناك إلى اعتبار الشهادات التقليدية أقرب إلى القرض بفائدة، وبالتالي غير جائزة، بينما يرون أن الشهادات التي تعتمد على المشاركة الفعلية في الاستثمار، أو شهادات البنوك الإسلامية، هي الأقرب إلى الإباحة.
هذا يوضح أن الرأي الشرعي يختلف من هيئة لأخرى حسب كيفية تكييف العقد.
رأي العلماء: ابن باز وابن عثيمين
العالمان الكبيران الشيخ ابن باز والشيخ ابن عثيمين قدّما فتاوى مشهورة حول مسألة الفوائد البنكية عمومًا، لا سيما في الأسئلة المتعلقة بشهادات الاستثمار ذات العائد الشهري.
حكم شهادات الاستثمار ذات العائد الشهري ابن باز
الشيخ ابن باز يرى أن أي معاملة تضمن فيها المال ويضمن معها عائد محدد مسبقًا تُعد من الربا.
وبناء على ذلك فإن شهادات الاستثمار التقليدية ذات العائد الثابت غير جائزة في رأيه، لأنه يعتبرها قرضًا يُرد بزيادة.
هل شهادات الاستثمار حرام ابن عثيمين؟
الشيخ ابن عثيمين يرى الرأي نفسه، حيث يعتبر أن تحديد الربح مسبقًا يتعارض مع مفهوم المشاركة، ويجعلها ربوية في المعاملة.
لكن يجدر التنبيه هنا إلى أن العلماء لم يكن أمامهم النظام الاقتصادي المصرفي الحديث بكل تفاصيله القانونية والتنظيمية كما هو اليوم، ما يجعل كثيرًا من المؤسسات الشرعية ترى اختلافًا كبيرًا بين «فوائد البنوك التجارية المنظمة» و«الربا الذي كان في عصر الجاهلية».
حكم شهادات الاستثمار البنك الأهلي
في مصر، تُعد شهادات البنك الأهلي الأكثر انتشارًا، ولهذا اهتمت دار الإفتاء بحسم الأمر بوضوح.
جاء الحكم الرسمي كالآتي:
شهادات البنك الأهلي جائزة شرعًا
العائد الثابت ليس ربا
التعامل مع البنك لا حرج فيه
السبب في ذلك أن البنك يشارك في مشروعات اقتصادية حقيقية، والدولة تضمن تنظيم العملية المصرفية، وبالتالي يحصل العميل على جزء من العائد الاستثماري، وليس فائدة قرض.
وبذلك فإن حكم شهادات الاستثمار البنك الأهلي هو الإباحة الشرعية الكاملة.
حكم شهادات الاستثمار ذات العائد الشهري
الشهادات ذات العائد الشهري تُعد من أكثر الأدوات ادخارًا رواجًا لأنها توفر دخلًا ثابتًا يساعد كثيرًا من الأسر في مواجهة تكاليف الحياة.
من الناحية الفقهية، المؤيدون يرون أنها:
عقد استثماري
ليس قرضًا بفائدة
ليس فيه غرر أو جهل بالربح
يحقق الاستقرار المالي للعميل
أما المانعون فيرون أنها:
تحديد للربح مسبقًا
أقرب إلى الفائدة الربوية
لا يدخل فيها العميل كشريك
وبالتالي، فإن الحكم هنا يتبع المرجعية الفقهية التي يختارها الشخص، لكن الأكثر انتشارًا في الدول العربية اليوم هو رأي المؤسسات الرسمية التي تجيزها.
حكم شهادات الاستثمار ذات العائد المتغير
الشهادات ذات العائد المتغير تُعد الأقرب إلى مفهوم الاستثمار الحقيقي؛ لأن العائد يتغير حسب أرباح البنك أو المشروعات.
ولهذا يرى عدد كبير من العلماء أنها:
أكثر توافقًا مع الشريعة
أبعد عن شبهة الربا
أقرب لفكرة المضاربة الشرعية
لكن هذا لا يعني أن العائد المتغير هو الحل الوحيد، بل هو جزء من تنويع أدوات الاستثمار.
لماذا تختلف الفتاوى بين العلماء والمؤسسات؟
الاختلاف طبيعي لعدة أسباب:
اختلاف تكييف العقد: قرض أم استثمار؟
اختلاف فهم طبيعة عمل البنوك الحديثة
اختلاف المدارس الفقهية
غياب مفهوم البنوك المنظمة في الفقه القديم
وجود أدوات مالية حديثة لم تكن معروفة سابقًا
ولهذا، يُعد رأي المؤسسات الرسمية في البلد التي يعيش فيها الشخص هو المرجع الأكثر واقعية، لأنها تدرس العقود بدقة وتعرف تفاصيل النظام المصرفي الوطني.
هل شهادات الادخار حلال أم حرام إذًا؟
بعد عرض الآراء المختلفة، يمكن تلخيص الحكم في نقطتين:
1) المؤسسات الرسمية في مصر والعالم العربي
دار الإفتاء
الأزهر
هيئات الرقابة الشرعية
كلها ترى أن شهادات الادخار حلال ولا حرمة فيها.
2) بعض العلماء الكبار
مثل ابن باز وابن عثيمين، يرون أنها غير جائزة لأنها تشبه القرض بفائدة.
النتيجة:
المسألة خلافية، لكن الأغلبية المعاصرة من العلماء والمؤسسات الرسمية تجيز شهادات الادخار لأنها تتوافق مع النظام المصرفي الحديث الذي يعتمد على استثمار الأموال وليس إقراضها.
كيف يختار المسلم ما يناسبه؟
على المسلم أن يراعي:
الاطمئنان القلبي
اختيار الرأي المعتمد في بلده
فهم تفاصيل المعاملة
معرفة طبيعة العقد الحقيقي
عدم الانسياق وراء فتاوى مجتزأة
سؤال الجهات المختصة
وفي النهاية، الأصل في المعاملات الإباحة ما لم يظهر دليل قطعي بالتحريم.
هل أكل الضفادع حلال: رحلة عبر النصوص والآراء
الخلاصة
شهادات الادخار والاستثمار موضوع مهم في الحياة الاقتصادية للمسلمين اليوم.
رغم وجود اختلاف فقهي، إلا أن غالبية المؤسسات الشرعية المعاصرة ترى أنها جائزة، وأن عائدها ليس ربا، لأنها تقوم على استثمار الأموال وليس إقراضها بفائدة.
والعمل بفتوى المؤسسات الرسمية هو الخيار الأكثر تنظيمًا وطمأنينة، لأنه يستند إلى دراسة كاملة لأنظمة البنوك والمشروعات التي تستثمر فيها الأموال.








