مصر تدخل عصرًا جديدًا بالطاقة النووية.. «السيسي» يعلن لحظة كتابة الصفحة الأولى من المستقبل
✍️ كتب: أدهم صابر
في رسالة تحمل الكثير من الدلالات، أعلن الرئيس عبدالفتاح السيسي أن مصر «تكتب اليوم الصفحة الأولى في مستقبلها النووي»، مؤكدًا أن الدولة تتحرك بثبات نحو امتلاك طاقة آمنة ومستدامة تُعزز قدراتها في التنمية وتضعها على الخريطة العالمية للدول التي تمتلك برامج نووية سلمية متقدمة.
تصريحات الرئيس تعكس تحولًا استراتيجيًا في مسار الدولة المصرية، ليس فقط في مجال الطاقة، بل في رؤية شاملة لبناء اقتصاد قوي يعتمد على مصادر متنوعة، ويستطيع تلبية احتياجات 120 مليون مواطن خلال العقود القادمة، مع التوسع الصناعي المتسارع وارتفاع الطلب على الكهرباء.
المشروع النووي المصري، الذي ظل حلمًا لعقود طويلة، يتحول اليوم إلى واقع ملموس مع خطوات متتابعة في محطة الضبعة، ومعايير أمان تُعد من الأعلى عالميًا، وشراكة مع أكبر المؤسسات الدولية المتخصصة.
في هذا التقرير، نفتح الملف كاملًا… لماذا تصف القيادة المصرية هذه اللحظة بأنها «الصفحة الأولى»؟ وما أهمية الطاقة النووية لمستقبل البلاد؟ وكيف ستؤثر على الصناعة، والاقتصاد، والتنمية المستدامة؟
حلم قديم يتحقق على أرض الواقع
لم تكن فكرة الطاقة النووية وليدة اليوم؛ فقد بدأت مصر رحلتها النووية منذ خمسينيات القرن الماضي، لكنها توقفت لسنوات طويلة بسبب الظروف السياسية والاقتصادية.
اليوم، تستعيد مصر هذا الحلم بثقة أكبر، وإمكانات أوسع، وتكنولوجيا متطورة تُتيح إنتاج كهرباء نظيفة بتكلفة مستقرة على المدى الطويل.
إعلان الرئيس بأن «اليوم نصيغ الصفحة الأولى لبلادنا في مجال الطاقة النووية» يشير إلى:
-
بدء تنفيذ فعلي للخطوات الأساسية في محطة الضبعة.
-
اكتمال مراحل علمية وهندسية دقيقة.
-
دخول المشروع مرحلة لا رجعة فيها نحو التنفيذ الكامل.
لماذا الطاقة النووية؟ ولماذا الآن؟
تواجه مصر تحديًا كبيرًا في تأمين احتياجاتها من الطاقة؛ فالطلب يتزايد بسبب:
-
النمو السكاني السريع.
-
التوسع في المدن الجديدة.
-
زيادة المشروعات الصناعية.
-
ارتفاع استهلاك المنازل.
والطاقة النووية تقدم حلًا استراتيجيًا لأنها:
-
توفر كهرباء مستقرة على مدار 60 عامًا.
-
تحافظ على البيئة بخفض الانبعاثات.
-
تُقلل تكلفة إنتاج الكهرباء على المدى البعيد.
-
تُعزز أمن الطاقة بعيدًا عن تقلبات أسعار الوقود.
وبذلك تتحول الطاقة النووية إلى ركيزة أساسية في خطة الدولة للوصول إلى مزيج طاقة آمن ومستدام.
محطة الضبعة… المشروع الذي يغير قواعد اللعبة
تُعد محطة الضبعة النووية واجهة المشروع النووي المصري، وتعتمد على تكنولوجيا من الجيل الثالث+، وهي من أكثر الأنظمة تقدمًا وأمانًا في العالم.
محطة الضبعة توفر لمصر:
-
4800 ميجاوات من الكهرباء النظيفة.
-
تشغيلًا مستقرًا لمدة تصل إلى 60 عامًا.
-
آلاف الوظائف المباشرة وغير المباشرة.
-
نقلًا واسعًا للتكنولوجيا والخبرات.
-
دعمًا لقطاعات الصناعة المحلية.
كما يساهم المشروع في تعزيز مكانة مصر الإقليمية كدولة تمتلك برنامجًا نوويًا سلميًا متطورًا ومطابقًا لمعايير الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
البعد الاقتصادي… استثمار في المستقبل
المشروع النووي ليس مجرد محطة كهرباء؛ بل رافعة اقتصادية ضخمة تنعكس على عشرات القطاعات.
1) دعم الصناعات الثقيلة
الصناعات الكبرى مثل الحديد والصلب والإسمنت تحتاج إلى طاقة مستقرة كي تعمل بكفاءة، وهذا ما تقدمه الطاقة النووية.
2) تعزيز ثقة المستثمرين
امتلاك مصر لمحطة نووية سلمية يعزز ثقة المؤسسات الدولية في قدرة الدولة على تنفيذ مشروعات عملاقة بمعايير عالمية.
3) تخفيف العبء المالي على الدولة
على المدى الطويل، ستُخفض الطاقة النووية فاتورة استيراد الوقود، وتحقق وفورات مالية بالمليارات.
الطاقة النظيفة… رهان مصر على البيئة
العالم يتجه نحو الطاقة النظيفة، ومصر جزء من هذا الاتجاه.
الطاقة النووية تُعد من أقل مصادر الطاقة انبعاثًا للكربون، وتساعد على تحقيق مستهدفات مصر في:
-
خفض الانبعاثات.
-
الالتزام باتفاق باريس.
-
دعم التنمية المستدامة.
كما سيساعد المشروع على تقليل الاعتماد على الغاز الطبيعي في تشغيل المحطات، ما يسمح بتوجيه المزيد منه للتصدير.
بناء الكوادر المصرية… إنسان قبل التكنولوجيا
من أهم مكاسب المشروع النووي هو تأهيل جيل جديد من العلماء والمهندسين المصريين، حيث يتم:
-
إرسال بعثات تدريب للخارج.
-
إنشاء برامج تعليمية متخصصة.
-
رفع قدرات الكوادر المحلية في الهندسة النووية.
بمعنى آخر: مصر لا تستورد محطة فقط، بل تبني خبرة نووية كاملة.
خطوات دقيقة ومعايير صارمة للأمان النووي
يتميز المشروع المصري بأنه يخضع لأعلى معايير الأمان الدولية، وتشرف عليه مؤسسات عالمية متخصصة.
أنظمة الجيل الثالث+ تشمل:
-
حماية تلقائية عند أي طارئ.
-
قدرة على العمل في أصعب الظروف المناخية.
-
أنظمة تبريد متطورة.
-
تصميم هندسي يمنع أي تسرب.
هذا ما يجعل المشروع مقبولًا دوليًا ومطمئنًا للمجتمع المحلي.
ماذا تعني هذه الخطوة للمصريين؟
الطاقة النووية ليست مشروعًا نخبويًا أو بعيدًا عن المواطن؛ بل ستنعكس فوائدها مباشرة على الحياة اليومية:
-
استقرار في الكهرباء.
-
تخفيف الضغط على المحطات العادية.
-
دعم مشروعات قومية تحتاج لطاقة ضخمة.
-
تحسين جودة الخدمات.
-
فرص عمل واسعة للشباب.
وهذا ما قصد به الرئيس حين وصف هذه اللحظة بأنها «صياغة صفحة أولى»؛ صفحة تحمل مستقبلًا جديدًا مختلفًا جذريًا عن الماضي.
نظرة إلى المستقبل… ماذا بعد الضبعة؟
الطاقة النووية لن تتوقف عند محطة واحدة؛ بل قد تتوسع مصر مستقبلًا في:
-
إنشاء مفاعلات متعددة الاستخدامات.
-
استخدام الطاقة النووية في تحلية المياه.
-
تطوير صناعات محلية مرتبطة بالبحث العلمي.
وهذا يعني أن مصر تضع نفسها على خريطة الدول التي تصنع مستقبلها الطاقوي بعقل علمي لا يتحرك بردود الفعل، بل برؤية واضحة.
خلاصة
تصريحات الرئيس السيسي حول «صياغة الصفحة الأولى لمستقبل مصر النووي» ليست مجرد كلمات احتفالية، بل تعبير دقيق عن لحظة تاريخية تدخل فيها الدولة مرحلة جديدة من التنمية تعتمد على العلم والتكنولوجيا والخيارات الاستراتيجية طويلة المدى.
إن مشروع الضبعة ليس محطة كهرباء فقط، بل خطوة تحول قومي يضع مصر في مصاف الدول التي تمتلك قدرة حقيقية على إدارة مستقبلها الطاقوي، وتحقيق حلم ظل مؤجلًا لعقود.

