✍️ كتب: فادي عبد الله
تُعد «دبابة ميركافا» واحدة من أكثر المدرعات إثارة للجدل في الشرق الأوسط؛ فهي ليست مجرد آلة عسكرية ضخمة، بل انعكاس مباشر لتاريخ صراع طويل، وعقيدة قتالية صممتها إسرائيل خصيصًا لبيئة حرب لا تهدأ. الكلمة المفتاحية للمقال هي: دبابة ميركافا.
منذ ظهورها الأول عام 1979، تحولت هذه الدبابة إلى رمز للقوة النارية والتحصين الدفاعي داخل الجيش الإسرائيلي، وصارت مادة دائمة في التحليلات العسكرية التي تبحث عن سرّ بقائها في الصدارة رغم التحديات الحديثة.
تاريخها يكشف الكثير: دولة حديثة العهد بصناعة السلاح الثقيلة تتجه لبناء أول دبابة محلية بالكامل، لتضمن “أمنًا ذاتيًا” لا يعتمد على الخارج، ودروعًا تلائم طبيعة المعارك في الجولان وجنوب لبنان وغزة — معارك المدن والكمائن والاستهدافات المباشرة.
وفي السطور التالية، نقترب من ميركافا كما لم تُعرض من قبل… تصميمها، قوتها، نقاط ضعفها، وكيف أثرت في توازن القوى بالمنطقة.
ميركافا… فلسفة بناء تبدأ من الطاقم
خلافًا للدبابات الغربية التي تُصمم حول المدفع والمحرك، جاءت ميركافا بفلسفة عسكرية مختلفة: “الدبابة تُبنى لحماية طاقمها أولًا”.
تحقق ذلك عبر:
-
وضع المحرك في مقدمة الهيكل ليكون درعًا إضافيًا.
-
تصميم داخلي يسمح بخروج الطاقم بسرعة في حال الاستهداف.
-
إمكانية استخدام الجزء الخلفي لنقل الجنود أو المصابين.
هذا التركيز على حماية الجنود جعل ميركافا دبابة هجينة بين دبابة قتال رئيسية وناقلة أفراد مدرعة.
قوة نارية تلائم حروب الشرق الأوسط
تتميز ميركافا بمدفع رئيسي عيار 120 مم قادر على إطلاق:
-
ذخائر خارقة للدروع.
-
صواريخ موجهة مضادة للدبابات من داخل الماسورة.
-
قذائف مخصصة للعمليات داخل المدن.
هذا التنوع يعكس خبرة إسرائيل الطويلة في قتال العصابات والمواجهات غير المتكافئة، حيث يحتاج الطاقم إلى مرونة في الرد على تهديدات متعددة خلال ثوانٍ.
📰اقرأ أيضًا
حماية متعددة الطبقات… لكن ليست بلا ثغرات
اعتمدت ميركافا على:
-
دروع مركّبة سميكة.
-
نظام حماية نشط (Trophy) لاعتراض الصواريخ.
-
تصميم هندسي يقلل من زاوية الإصابة المباشرة.
ورغم ذلك، أثبتت حرب لبنان 2006 أن الدبابة ليست منيعة؛ فقد تمكنت صواريخ “كورنيت” الحديثة من إلحاق خسائر ملموسة بها، ما دفع إسرائيل إلى تطوير نسخ محسّنة بقدرات أعلى.
النسخة الرابعة… الأكثر تطورًا
اليوم، تعتبر ميركافا Mk4 الأكثر تطورًا في السلسلة، وتتميز بـ:
-
محرك أقوى يمنحها سرعة واستجابة عالية.
-
نظام رؤية حراري يسمح بالقتال ليلًا ونهارًا.
-
منظومة “تروفي” التي تُعد الأكثر نجاحًا عالميًا في التصدي للصواريخ الموجهة.
ويُنظر إليها كواحدة من “أفضل” الدبابات دفاعيًا، لكنها ليست الأسرع ولا الأخف وزنًا مقارنة بنظيراتها الأميركية أو الألمانية.
الدور الإقليمي… ورسائل القوة
لم تُصدر إسرائيل دبابة ميركافا لأي دولة، وهو قرار سياسي أكثر منه عسكري، يعكس رغبة في الحفاظ على تفوق نوعي. كما أن الدبابة تُستخدم كرسالة ردع رمزية، خصوصًا في الحدود الشمالية والجنوبية، حيث تُعد حضورًا دائمًا في مشهد التوتر.
هل ما زالت ميركافا تحقق الغاية؟
في زمن الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة، يطرح خبراء عسكريون سؤالًا جوهريًا:
هل ما زالت الدبابة — أي دبابة — تلعب دورًا حاسمًا؟
في الحالة الإسرائيلية، تبدو الإجابة “نعم ولكن…”
ميركافا اليوم ليست مجرد دبابة، بل منصة قتال متكاملة مدعومة بتقنيات إلكترونية، وقدرات دفاعية ذكية، ومعلومات استخباراتية لحظية. لكن يبقى التحدي الأكبر: كيف تتعامل مع تهديدات الجوّ الحديثة؟
هذا السؤال سيحدد مستقبلها.
خلاصة
تظل دبابة ميركافا مشروعًا عسكريًا يعكس روح العقيدة الإسرائيلية: حماية الجنود، التفوق التكنولوجي، والاستعداد الدائم لمعركة قريبة.
ومع ذلك، فإن استمرار فعاليتها مرهون بقدرتها على مواكبة تغيرات الحرب الحديثة، حيث يتحول الميدان بسرعة من الدروع الثقيلة إلى الطائرات المسيّرة وأنظمة الذكاء الاصطناعي.








