اخبار العرب

مستقبل الأزمات العربية… قراءة تحليلية في مسار سوريا واليمن والسودان وفلسطين وليبيا

✍️ كتب: نوران فريد

تمثل الأزمات الممتدة في العالم العربي واحدًا من أكثر الملفات تعقيدًا وتأثيرًا على الأمن الإقليمي والدولي. ومع دخول المنطقة عقدًا جديدًا، تتجه الأنظار إلى خمسة ملفات رئيسية تُعد الأكثر اشتعالًا: سوريا، اليمن، السودان، فلسطين، وليبيا.
هذه الأزمات لا تحدد فقط مستقبل الدول المنهارة، بل ترسم معالم النفوذ الإقليمي، وشكل العلاقات بين القوى الدولية، ومسار الأمن العربي لعقود مقبلة.

المشهد العربي لم يعد كما كان قبل 2011؛ دول تفككت، ومجتمعات انهارت، وتحالفات تغيّرت، وخطوط نفوذ جديدة رُسمت في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. المستقبل لن يكون سهلًا، لكنه ليس مغلقًا أيضًا. فكل أزمة تعيش لحظة مفصلية، وكل دولة تقف أمام مفترق طرق تاريخي.

هذا التقرير يقدم تحليلًا شاملًا — سياسيًا وأمنيًا واقتصاديًا — لمستقبل هذه الأزمات، مع قراءة دقيقة لميزان القوى، سيناريوهات السنوات المقبلة، والعوامل التي يمكن أن تخرج هذه الدول من المأزق أو تعيدها للدائرة ذاتها.


سوريا… دولة منهكة تبحث عن تسوية واقعية

بعد أكثر من 13 عامًا من الحرب، تقف سوريا أمام مشهد معقد؛ دولة مجزأة سياسيًا وجغرافيًا، اقتصاد مدمر، وتوازنات دولية متشابكة.
ورغم انحسار العمليات العسكرية الكبرى، إلا أن الصراع لم ينتهِ فعليًا.

العوامل التي ستحدد مستقبل الأزمة السورية:

  • استمرار الوجود العسكري لكل من روسيا، إيران، تركيا، والولايات المتحدة.

  • بقاء النفوذ الإيراني في الجنوب والشرق وتأثيره على الأمن الإقليمي.

  • سيطرة “قسد” على مناطق الشرق بدعم أمريكي.

  • التعقيدات المرتبطة بإعادة الإعمار وسط عقوبات دولية.

  • محاولات عربية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية بهدف فتح مسار سياسي جديد.

السيناريو الأقرب:

سوريا تتجه إلى تجميد الصراع وليس حله.
خريطة النفوذ الحالية مرشحة للاستمرار إلى سنوات، ومع عدم وجود توافق دولي، ستظل البلاد في دائرة “اللاحرب واللاسلم”.

فرص الانفراج:

  • اتفاق دولي أمريكي–روسي حول مستقبل الشرق السوري.

  • تفاهم بين تركيا ودمشق بخصوص الشمال.

  • مبادرات عربية لإعادة دمج الدولة السورية اقتصاديًا مقابل إصلاحات سياسية محدودة.

لكن دون حدوث ذلك، ستظل سوريا مسرحًا لصراع نفوذ طويل المدى.


اليمن… حرب أنهكت الجميع ويفتح باب الحل من الرياض

يعتبر اليمن أحد أكثر الأزمات تعقيدًا بسبب تعدد الأطراف وتداخل العامل القبلي مع التدخلات الإقليمية.
ورغم سنوات الحرب، بدأت ملامح تهدئة طويلة تظهر، خصوصًا بعد الوساطات التي قادتها السعودية.

العوامل المؤثرة في مستقبل اليمن:

  • نجاح أو فشل التفاهمات بين السعودية والحوثيين.

  • مستقبل “المجلس الانتقالي الجنوبي” ورغبته في الانفصال.

  • قدرة الحكومة الشرعية على استعادة نفوذ فعلي.

  • التنافس بين الإمارات والسعودية داخل الجنوب.

  • دور إيران وقدرتها على الضغط أو التهدئة عبر الحوثيين.

السيناريو الأقرب:

البلاد تتجه نحو تسوية جزئية تؤدي إلى وقف شامل لإطلاق النار، لكن مع بقاء الانقسام السياسي بين الشمال والجنوب.

مخاطر مستقبلية:

  • احتمال إعلان دولة جنوبية مستقلة.

  • حرب نفوذ بين الحوثيين وقوى محلية أخرى في الشمال.

  • تفكك اقتصادي أعمق، وانهيار الخدمات أكثر.

فرص الحل:

  • رغبة السعودية في إنهاء الحرب بشكل نهائي.

  • الإرهاق العسكري لجميع الأطراف.

  • ضغط دولي لإنقاذ الوضع الإنساني الكارثي.

اليمن أقرب الدول للدخول في مرحلة “سلام هش”، لكنه غير مستقر ولن يكون نهائيًا في المدى القريب.


السودان… حرب أهلية تُعيد رسم القرن الإفريقي

السودان يعيش واحدة من أخطر الأزمات في تاريخه الحديث؛ حرب شاملة بين الجيش وقوات الدعم السريع، وانهيار شامل للخدمات، ونزوح بالملايين.

العوامل التي سترسم المستقبل:

  • قدرة الجيش على استعادة الخرطوم أو استمرار سيطرة الدعم السريع.

  • التدخلات الإقليمية المتضاربة بين أطراف لها مصالح مباشرة.

  • غياب أي سلطة مركزية موحدة.

  • الانهيار الاقتصادي الذي قد يحول السودان إلى دولة فاشلة بالكامل.

  • احتمال تمدد الصراع إلى دول الجوار مثل تشاد وإثيوبيا.

السيناريو الأقرب:

دخول السودان في مرحلة صراع طويل يشبه النموذج الصومالي، مع انتقال الحرب بين مناطق متعددة.

سيناريو إيجابي محتمل:

  • نجاح ضغوط دولية وإقليمية لفرض وقف إطلاق النار.

  • تشكيل سلطة انتقالية جديدة بمشاركة الجيش والمدنيين.

  • إعادة بناء مؤسسات الدولة بدعم خارجي واسع.

لكن الضمانات لتحقيق ذلك ما زالت ضعيفة جدًا.


فلسطين… صراع يدخل مرحلة جديدة بالكامل

القضية الفلسطينية تواجه أكبر منعطف تاريخي منذ عقود.
بعد تصاعد الأحداث، واختلال ميزان القوى، وتغير مواقف دولية، أصبحت القضية تقف أمام عدة احتمالات.

العوامل التي تحدد مستقبل الملف:

  • مسار العلاقات العربية–الإسرائيلية.

  • موقف الولايات المتحدة من الحل النهائي.

  • شكل السلطة الفلسطينية وصراع خلافة القيادة.

  • مستقبل غزة بعد الحرب وتوزيع الأدوار.

  • احتمالات انفجار الوضع في الضفة الغربية.

السيناريو الأقرب:

الدخول في مرحلة إعادة ترتيب للواقع الفلسطيني، وليس حلًا نهائيًا.
من المتوقع إعادة تشكيل السلطة، وظهور ترتيبات أمنية جديدة في غزة، مع استمرار الاحتلال دون حلول جذرية.

سيناريو آخر محتمل:

  • تدخل دولي أكبر لفرض حل سياسي.

  • إطلاق عملية سلام جديدة بإشراف دولي–عربي مشترك.

لكن السياق الإقليمي والدولي يجعل الحل النهائي صعبًا في السنوات القريبة.


ليبيا… صراع نفوذ لا ينتهي

رغم التهدئة الحالية، إلا أن ليبيا ما زالت تدور في دوامة الانقسام بين شرق البلاد وغربها.

العوامل المؤثرة:

  • تنافس الجنرال خليفة حفتر وقيادات الغرب.

  • تدخلات تركيا وروسيا والإمارات.

  • فشل تنظيم انتخابات توحد المؤسسات.

  • الصراع على النفط والقواعد العسكرية.

السيناريو الأقرب:

استمرار الوضع القائم: دولتان فعليًا، جيشان، ومؤسستان ماليتان.

سيناريو إيجابي:

  • تفاهم سياسي برعاية أممية لتمهيد انتخابات.

  • توحيد المؤسسات الأمنية.

  • استقرار سوق النفط ودخول استثمارات جديدة.

لكن هذا السيناريو يحتاج توافقًا دوليًا غير متوفر حاليًا.


العوامل المشتركة بين الأزمات العربية وكيف تعيد تشكيل المنطقة

على الرغم من أن كل أزمة عربية لها سياقها الخاص، فإن خمس دول — سوريا، اليمن، السودان، فلسطين، ليبيا — تشترك في مجموعة من العناصر التي تُعيد رسم خريطة الشرق الأوسط بالكامل. هذه العناصر ليست مجرد تفاصيل محلية، بل هي محركات إقليمية هائلة ستحدد مستقبل المنطقة لعقود.

ضعف مؤسسات الدولة

أغلب هذه الدول تمتلك مؤسسات منهارة أو شبه غائبة:

  • مؤسسات أمنية مفككة

  • ضعف السلطة المركزية

  • غياب القضاء المستقل

  • انهيار الخدمات الأساسية

غياب الدولة القادرة على إدارة المجتمع هو العامل الأول الذي يجعل أي أزمة قابلة للاستمرار.

تدخلات إقليمية تحرك مسار الصراع

المنطقة العربية أصبحت ساحة صراع بين:

  • تركيا

  • إيران

  • دول الخليج

  • مصر

  • قوى أوروبية

  • الولايات المتحدة وروسيا

وهذا التدافع يجعل التسويات بطيئة ومعقدة، لأن كل طرف يسعى لتثبيت نفوذ طويل المدى.

الأزمات الإنسانية الكبرى

الأزمات العربية الخمس تشترك في:

هذه الأزمات الإنسانية تضغط على المجتمع الدولي، لكنها أيضًا تعرقل أي مسار تنموي لسنوات طويلة.

اقتصاد مدمر يصعب إصلاحه

كل دولة تمر بأزمة مركّبة:

  • انهيار العملة

  • سيطرة جماعات مسلحة على الموارد

  • اقتصاد حرب

  • فقدان الاستثمارات

  • تهريب، فساد، وتجارة غير مشروعة

إعادة بناء هذه الاقتصادات يحتاج عشرات السنين ومبالغ تتجاوز مئات المليارات.


 مستقبل النفوذ الإقليمي في المنطقة العربية

أهم سؤال استراتيجي:
من سيحدد مستقبل الأزمات العربية؟
الإجابة: مزيج من القوى الإقليمية والدولية، مع تراجع دور الفاعل المحلي.

السعودية والإمارات… انتقال من التدخل العسكري إلى النفوذ السياسي

تشهد السنوات الأخيرة تحوّلًا مهمًا:

  • السعودية تتجه إلى تسويات بدل المواجهات المباشرة.

  • الإمارات تبني نفوذًا اقتصاديًا وعسكريًا في موانئ ومناطق استراتيجية.

دورهما سيكون محوريًا خصوصًا في:

  • اليمن

  • السودان

  • ليبيا

وتسعى الدولتان إلى إعادة صياغة المنطقة بما يخدم الاستقرار وسلاسل التجارة والطاقة.

إيران… تثبيت النفوذ عبر الوكلاء

إيران تركز على ثلاث ساحات رئيسية:

  • سوريا

  • العراق

  • اليمن

وتسعى لإبقاء أوراق ضغط عديدة.
مستقبل الصراع قد يتحدد حسب مدى قدرة طهران على الحفاظ على هذه الأوراق أو خسارتها في تسويات دولية.

تركيا… وجود طويل الأمد في سوريا وليبيا

تركيا تسعى لتثبيت نفوذها في:

  • الشمال السوري

  • غرب ليبيا

  • نفوذ اقتصادي في السودان والصومال

أي تحول سياسي في سوريا أو ليبيا ستكون أنقرة جزءًا منه.

مصر… دور استراتيجي في ليبيا والسودان وفلسطين

القاهرة لاعب أساسي في:

  • حدود ليبيا

  • أمن البحر المتوسط

  • استقرار السودان

  • الملف الفلسطيني

استقرار هذه الدول يرتبط بشكل مباشر بالأمن القومي المصري.

الولايات المتحدة وروسيا… صراع هادئ لكنه عميق

  • واشنطن تهتم بالإرهاب والطاقة وأمن إسرائيل.

  • موسكو تريد تثبيت وجود طويل عبر سوريا وليبيا.

التوازن بين القوتين سيحدد شكل المنطقة.


 السيناريوهات الكبرى لمستقبل المنطقة حتى 2035

بعد تحليل القوى المتداخلة، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة لمستقبل الأزمات العربية.

سيناريو الاستقرار النسبي (الأكثر ترجيحًا)

يشمل:

  • وقف شامل لإطلاق النار في اليمن.

  • استقرار هش في ليبيا دون توحيد كامل للمؤسسات.

  • تجميد طويل للصراع في سوريا.

  • استمرار انقسام السودان مع تسويات موضعية.

  • إعادة ترتيب الوضع الفلسطيني دون حل نهائي.

هذا السيناريو يستند إلى رغبة دولية في منع الانهيار الكامل دون القدرة على فرض حلول شاملة.

سيناريو الانفجار المتسلسل (أقل احتمالًا لكنه خطر جدًا)

ويحدث إذا:

  • فشلت التسويات في اليمن.

  • توسع الدعم السريع في السودان وسيطر على العاصمة نهائيًا.

  • اندلاع مواجهات واسعة في الضفة الغربية.

  • انهيار اقتصادي كامل في سوريا.

هذا السيناريو قد يعيد المنطقة إلى موجة اضطرابات كبرى.

سيناريو الحلول الإقليمية (تحول تدريجي نحو الاستقرار)

ويعتمد على نجاح:

  • المبادرات الخليجية في اليمن.

  • الدور المصري في إعادة ترتيب ليبيا والسودان.

  • تحرك عربي جماعي لإعادة سوريا للحياة الاقتصادية.

  • دور عربي–دولي مشترك في الملف الفلسطيني.

هذا السيناريو هو الأفضل للمنطقة لكنه يحتاج إرادة سياسية وإصلاحات داخلية.


 قراءة مستقبلية — أي الدول يمكن أن تتعافى أولًا؟

ليبيا

تمتلك أعلى فرصة للتعافي لأن:

  • موارد النفط ضخمة

  • عدد السكان قليل

  • إعادة الإعمار سهلة نسبيًا

إذا حدث توافق داخلي، ستنهض سريعًا.

اليمن

إذا تحقق اتفاق شامل، سيحتاج اليمن 15–20 سنة لإعادة البناء بسبب انهيار البنية التحتية.

سوريا

التعافي بطيء جدًا بسبب العقوبات والانقسام السياسي ووجود جيوش أجنبية.

السودان

الوضع الأخطر والأبعد عن الاستقرار، والمعركة قد تمتد لسنوات.

فلسطين

الوضع مرتبط بعوامل دولية أكثر من المحلية، وفرص الحل النهائي ضعيفة في السنوات القريبة.


 نحو شرق أوسط جديد… لكنه لا يزال في مرحلة التشكل

مستقبل الأزمات العربية لن يكون بسيطًا.
منطقة بكاملها تعيش لحظة إعادة تشكيل تاريخية، حيث تتداخل:

  • صراعات النفوذ

  • الجغرافيا السياسية

  • الاقتصاد العالمي

  • الطاقة

  • الهجرة

  • التحولات الاجتماعية

ورغم أن المشهد يبدو قاتمًا، إلا أن هناك فرصًا حقيقية لخلق توازن جديد إذا:

  • توحدت الجهود العربية

  • انخفض التوتر الإقليمي

  • تم دعم مسارات التنمية بدل الصراع

  • تمت معالجة الأسباب الجذرية لكل أزمة

وفي النهاية، مستقبل العالم العربي لن يتحدد بالحروب فقط، بل بقدرة دوله على تحويل لحظات الانهيار إلى بداية لمرحلة جديدة أكثر استقرارًا ونموًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى