التوترات العسكرية في المنطقة.. خارطة صراع تتغير وتحالفات تتبدل
✍️ كتب: نهى علي
تشهد المنطقة العربية والشرق الأوسط واحدة من أكثر المراحل حساسية منذ عقود، حيث تتصاعد التوترات العسكرية في المنطقة بشكل ملحوظ، وتتداخل فيها حسابات الجغرافيا والسياسة والاقتصاد والأمن القومي.
ورغم تغيّر طبيعة الحروب وأساليب الردع والمواجهات، فإن الأجواء العامة تحمل إشارات واضحة على أن المنطقة أمام مرحلة جيوسياسية جديدة، تعيد رسم التوازنات القديمة وتفتح الباب أمام تحالفات وصراعات لم تكن مطروحة قبل سنوات قليلة.
وفي ظل تعدد بؤر التوتر من الخليج إلى البحر الأحمر، ومن شرق المتوسط إلى منطقة الساحل والصحراء، أصبح فهم المشهد ضرورة للمراقبين وصناع القرار والجمهور، خاصة مع تسارع التحركات العسكرية والدبلوماسية التي قد تغيّر وجه المنطقة خلال السنوات المقبلة.
هذا التقرير يقدم تحليلاً مفصلًا لجذور التوترات العسكرية الراهنة، وأسباب تصاعدها، وأبرز اللاعبين فيها، وكيف يمكن أن يتطور المشهد في المستقبل.
جذور التوترات العسكرية… إرث صراعات قديمة يعاد إنتاجه
المنطقة لم تخرج يومًا من دوائر التوتر، لكنها اليوم تواجه مزيجًا جديدًا من الأزمات الضاغطة.
تراكمات تاريخية من النزاعات الحدودية، وصراعات النفوذ، وخلافات سياسية بين الدول، إلى جانب تدخلات دولية، كلها أسهمت في خلق بيئة قابلة للاشتعال في أي لحظة.
تعود الأسباب الرئيسية إلى مجموعة من العوامل:
صراع المصالح الإقليمية
لكل دولة مشروعها الخاص، ورؤيتها الأمنية، وحساباتها الاستراتيجية. ومع غياب مظلة جماعية قوية، تزداد فرص الاحتكاك، خاصة في المناطق البحرية والحدودية.
تغير موازين القوة
دول الخليج تبني قدرات عسكرية ضخمة، وتركيا توسّع نفوذها، وإيران تواصل برنامجها الصاروخي.
هذا التغير في مراكز القوة يخلق توترًا دائمًا.
الأزمات السياسية الداخلية
كثير من الدول تعاني ضغوطًا اقتصادية أو سياسية، ما يجعلها أكثر حساسية تجاه أي تهديد خارجي ولو محدود.
النزاعات المفتوحة
مثل اليمن، وسوريا، والسودان، وليبيا…
هذه النزاعات توفر بيئة خصبة للامتداد العسكري والتدخلات الخارجية.
التدافع الدولي
دخول الولايات المتحدة، وروسيا، والصين كلاعبين في المنطقة، جعل التوازن أكثر هشاشة.
الخليج العربي… توتر تحت السطح وسباق تسلح واسع
الخليج من أكثر المناطق حساسية في العالم، ليس فقط بسبب الطاقة والاقتصاد، بل لكونه مركزًا للصراع الإيراني–الإقليمي.
إيران والخليج… معادلة ردع متبادلة
تملك إيران نفوذًا واسعًا عبر أذرع مسلحة في عدة دول، ما يخلق توترًا مستمرًا قرب الممرات البحرية الحيوية، أبرزها:
-
مضيق هرمز
-
خليج عمان
-
البحر العربي
وقد شهدت السنوات الماضية حوادث احتكاك بحري، واستهداف ناقلات نفط، واختبارات صاروخية، وتحركات لقوات بحرية دولية.
التحالفات الدفاعية الخليجية
في المقابل، تعمل دول الخليج على بناء منظومات دفاعية مشتركة، أبرزها:
-
تعزيز القدرات الجوية
-
بناء تحالفات أمنية جديدة
-
تحديث القوات البحرية
-
استضافة قواعد عسكرية متعددة الجنسيات
هذه التحركات تهدف لتأكيد قوة الردع ومنع أي تصعيد مفاجئ.
البحر الأحمر… ممر عالمي على حافة التوتر
يمثل البحر الأحمر أحد أهم الممرات البحرية الحيوية في العالم، وهو ما يجعل أي اضطراب فيه قضية دولية كبرى.
موقع شديد الحساسية
الممر يربط:
-
الخليج العربي
-
باب المندب
-
قناة السويس
-
البحر المتوسط
أي تهديد لهذا الخط البحري ينعكس فورًا على التجارة والطاقة والاستثمارات.
اليمن… بؤرة الخطر الأساسية
النزاع اليمني خلق وضعًا عسكريًا فريدًا قرب الممرات البحرية، خاصة مع توسع جماعات مسلحة في استخدام:
-
الصواريخ الباليستية
-
الطائرات المسيّرة
-
استهداف السفن التجارية
وهو ما أدى لتدخلات بحرية دولية لحماية خطوط الملاحة.
مصر والسعودية ودور الدول الساحلية
تسعى الدول الساحلية للبحر الأحمر لبناء آلية مشتركة لإدارة الأمن، خاصة مع تزايد المخاطر في الجنوب، واستراتيجية التنمية العملاقة في الشمال (مثل نيوم وتطوير سواحل البحر الأحمر).
شرق المتوسط… صراع الغاز والنفوذ البحري
تحول شرق المتوسط إلى ساحة توتر بعد اكتشافات الغاز الضخمة، وتداخل مناطق النفوذ البحرية.
أطراف الصراع
الدول الأكثر حضورًا:
-
مصر
-
تركيا
-
اليونان
-
قبرص
-
إسرائيل
-
لبنان
كل دولة لديها مصالح اقتصادية واستراتيجية ترتبط بخطوط الغاز، وترسيم الحدود، وحقوق التنقيب.
التحالفات البحرية
شهدت المنطقة إنشاء تكتلات جديدة مثل منتدى غاز شرق المتوسط، وتعاون عسكري مشترك بين دول متقاربة في المواقف.
التوتر التركي–اليوناني
هذا التوتر التاريخي تجدد في السنوات الأخيرة على خلفية حقوق التنقيب في مناطق متنازع عليها.
منطقة الساحل والصحراء… التوترات الأقرب إلى الانفجار
تعاني دول الساحل الإفريقي من أزمات معقدة تشمل:
-
انتشار جماعات مسلحة
-
ضعف المؤسسات
-
تدخلات دولية
-
صراع نفوذ بين قوى خارجية
هذه الفوضى جعلت المنطقة بيئة قابلة لتمدد التوتر نحو دول شمال أفريقيا، ما يثير قلق مصر والجزائر وتشاد وغيرها.
التطورات التكنولوجية… سلاح جديد يغير قواعد اللعبة
أصبحت الحرب الحديثة تعتمد على تقنيات متقدمة، مثل:
-
الطائرات المسيّرة
-
الأقمار الصناعية
-
الهجمات السيبرانية
-
الدفاعات الجوية المتطورة
-
صواريخ بعيدة المدى
-
أنظمة الحرب الإلكترونية
هذه التقنيات أدت إلى ارتفاع مستوى الحساسية بين الدول، لأن أي خطأ تقني أو هجوم غير معلن قد يؤدي لتصعيد سريع.
كيف تنظر الدول الكبرى للتوترات العسكرية في المنطقة؟
الولايات المتحدة
تسعى للحفاظ على نفوذها وضمان أمن الممرات البحرية ومصالح الطاقة.
روسيا
تستغل أي فراغ سياسي لتعزيز وجودها، خاصة في سوريا، وليبيا، والساحل.
الصين
تركّز على حماية طرق التجارة ضمن مبادرة الحزام والطريق، دون تدخل عسكري مباشر.
أوروبا
تهتم بالأمن في المتوسط ومكافحة الهجرة غير الشرعية.
تأثير التوترات العسكرية على الاقتصاد العربي
أي تصعيد عسكري—even محدود—يؤثر مباشرة على:
-
أسعار النفط
-
الاستثمارات
-
حركة التجارة
-
الأمن الغذائي
-
السياحة
-
العملات المحلية
وهذا ما يجعل الدول العربية تتحرك بدقة شديدة لتجنب أي اشتعال قد يضر اقتصادها.
سيناريوهات مستقبل التوترات العسكرية في المنطقة
سيناريو التهدئة
يحدث إذا نجحت التحركات الدبلوماسية والاتفاقات الاقتصادية المشتركة، خاصة بين دول الخليج وإيران، أو بين مصر وتركيا، أو في ملف اليمن.
سيناريو التوتر المضبوط
وهو الأكثر احتمالًا: استمرار التوتر لكن دون مواجهة مباشرة، مع استخدام أدوات الردع والتدخلات المحدودة.
سيناريو التصعيد
قد يحدث في حال:
-
خطأ عسكري غير متعمد
-
تحرك عدائي في البحر الأحمر
-
زيادة نفوذ جماعات مسلحة
-
انهيار مفاوضات سياسية في إحدى ساحات الصراع
هذا السيناريو هو الأخطر لكنه الأقل احتمالًا بفضل جهود التهدئة الإقليمية.
هل تتجه المنطقة إلى حروب أم إلى تفاهمات؟
المشهد مزدحم بالتحديات، لكنه في الوقت نفسه مليء بمبادرات المصالحة، والتحالفات الاقتصادية الجديدة، والاستثمارات العابرة للحدود، التي قد تشكل حاجزًا أمام أي صراع كبير.
اتجاهات السنوات الأخيرة تشير إلى أن الدول الكبرى في المنطقة تفضّل:
-
بناء نفوذ اقتصادي
-
تعزيز الشراكات الإقليمية
-
بينما تقلل من التورط في حروب مباشرة
لكن هذا لا يلغي احتمال وقوع مواجهات محدودة في مناطق متوترة.
الخلاصة
تشكل التوترات العسكرية في المنطقة مشهدًا معقدًا تتداخل فيه عوامل الاقتصاد والسياسة والأمن والجغرافيا.
ورغم أن المنطقة اعتادت على التوتر، فإن المرحلة الحالية تحمل طابعًا خاصًا بسبب تغيّر موازين القوى، وظهور فاعلين جدد، وتطورات تكنولوجية غيرت شكل المواجهات.
ورغم تعدد بؤر الصراع، فإن حرص الدول العربية على الاستقرار الاقتصادي والتنمية يجعل احتمالات الانفجار الشامل أقل، بينما تبقى التوترات المحدودة والاحتكاكات المستمرة جزءًا من المشهد المستقبلي القريب.








