طوفان الأقصى

الاحتلال الإسرائيلي واستخدام القوة المفرطة… قراءة عميقة في الانتهاكات الأخيرة

✍️ كتب: الرفاعي عيد

أصبح استخدام القوة المفرطة من قبل الاحتلال الإسرائيلي قضية مركزية في النقاشات الحقوقية والإنسانية خلال الفترة الأخيرة، في ظل ارتفاع وتيرة العمليات العسكرية في غزة والضفة الغربية، وارتفاع أعداد الضحايا المدنيين، وتزايد التقارير التي تتحدث عن انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني.

هذا التحقيق  يحاول تقديم قراءة شاملة ومحدَّثة للمشهد، اعتمادًا على أحدث المستجدات، وسياقات تاريخية وسياسية وقانونية وإنسانية، للوصول إلى تقييم موضوعي ودقيق لما يجري على الأرض وآفاقه.


 الخلفية السياسية والأمنية التي تفسّر تصاعد القوة

لفهم سبب تصاعد استخدام القوة المفرطة من قبل الاحتلال، يجب النظر إلى المشهد السياسي الإسرائيلي الحالي. فإسرائيل تمر بواحدة من أكثر المراحل السياسية اضطرابًا خلال العقد الأخير:

  • التنافس الداخلي بين الأحزاب اليمينية واليمين المتطرف يدفع باتجاه “الرد العسكري القاسي” لإرضاء جمهور هذه الأحزاب.

  • الضغوط الأمنية على الحكومة بسبب العمليات الفردية في الضفة والقدس، والتي تستخدمها المؤسسة العسكرية مبررًا للتصعيد.

  • التوترات المستمرة في قطاع غزة وغياب أي مسار سياسي حقيقي يدفع إلى اعتماد الحل العسكري كخيار أول.

  • ضعف موقع السلطة الفلسطينية وتراجع دورها الأمني، ما يفتح الباب أمام مزيد من العمليات العسكرية المباشرة دون تنسيق مدني أو سياسي.

هذه الخلفية السياسية تفسر لماذا يتكرر استخدام القوة المفرطة، ولماذا باتت العمليات واسعة، وسريعة، وغير مقيدة بالمعايير التقليدية للحرب.


استخدام القوة المفرطة.webp 2
استخدام القوة المفرطة.webp 2

الأسلوب العسكري الميداني… كيف تُدار العمليات على الأرض؟

لتشخيص مستوى القوة المستخدمة، من الضروري فهم “العقيدة القتالية” الجديدة التي تبنّاها جيش الاحتلال منذ عام 2023، والتي تعتمد على عدة أساليب أبرزها:

  1. الاقتحامات الليلية المكثفة
    تتم غالبًا بين الساعة 2 و5 فجرًا، حيث يستخدم الجيش الكلاب البوليسية، القنابل الصوتية، اقتحام المنازل بالقوة، واحتجاز السكان في غرفة واحدة.

  2. التطويق ثم القصف
    يتم تطويق منطقة كاملة، ثم استهداف منزل أو مجموعة من المنازل بالقصف الجوي أو بالقذائف، بزعم وجود مطلوبين.

  3. استخدام الطائرات المسيّرة
    باتت المسيّرات جزءًا أساسيًا من الضربات، خصوصًا في الضفة، حيث تُنفّذ عمليات اغتيال أو استهداف مباشر في مناطق مأهولة.

  4. التدمير الواسع للممتلكات
    تدمير منازل بشكل كامل، حتى عندما يكون “المطلوب” غير موجود، وهي سياسة انتقدتها منظمات دولية ووصفتها بأنها “عقاب جماعي”.

  5. إطلاق النار بدافع الاشتباه فقط
    كثير من الشهادات تتحدث عن إطلاق نار على مدنيين بدعوى “الخطر المحتمل”، دون وجود تهديد حقيقي.

هذه الأساليب مجتمعة تمثل ما يسمى “استخدام القوة المفرطة” عند مقارنتها بالمعايير الدولية.


 جدول زمني سردي لأبرز الانتهاكات خلال الأشهر الأخيرة

خلال الأشهر الستة الماضية، شهدت الأوضاع سلسلة من الحوادث البارزة التي عكست تصاعد القوة المفرطة:

  • الشهر الأول: استهداف ثلاثة منازل في غزة بالقصف الجوي، ما أسفر عن مقتل أسر كاملة بينهم أطفال.

  • الشهر الثاني: قيام وحدة خاصة إسرائيلية بعملية مداهمة في جنين، انتهت بمقتل ثلاثة شبّان ورابع كان يحاول إسعافهم.

  • الشهر الثالث: تدمير عمارة سكنية من خمس طوابق في غزة بحجة وجود “مطلوب”، رغم إخلائها من المدنيين قبل دقائق فقط.

  • الشهر الرابع: حادثة إطلاق نار على سيارة عائلة فلسطينية أثناء مرورها في شارع علّق الاحتلال بأنه “ممر آمن”، ما أدى إلى مقتل 11 شخصًا من عائلة واحدة.

  • الشهر الخامس: قصف مركز للإجلاء في شمال غزة خلال ساعات الهدنة، وسقوط ما يزيد عن 40 قتيلًا.

  • الشهر السادس: توثيق اعتداء جنود على جثث شهداء فلسطينيين في الضفة، ورميها من فوق سطح بناية بعد عملية مداهمة.

هذه الحوادث، رغم اختلاف ظروفها، تكشف نمطًا ثابتًا من التصعيد.


استخدام القوة المفرطة
استخدام القوة المفرطة

 الرؤية القانونية – متى يصبح الاستخدام “مفرطًا”؟

القانون الدولي الإنساني يضع قواعد واضحة:

  • أي استخدام للقوة يجب أن يكون “متناسبًا مع الهدف العسكري”.

  • يحظر استهداف المدنيين أو الأعيان المدنية.

  • يجب تحذير السكان قبل أي ضربات واسعة عندما تكون الظروف متاحة.

  • يحظر تدمير الممتلكات لأسباب غير عسكرية.

  • يحظر فرض عقوبات جماعية.

وفق هذه القواعد، فإن كثيرًا من العمليات التي تُنفّذ اليوم تدخل ضمن تعريف “القوة المفرطة”، لأنها:

  • تستهدف مناطق مأهولة بشكل مباشر.

  • لا تميّز بين المدني والمسلح.

  • تُسبب تدميرًا هائلًا لا يتناسب مع الهدف.

  • تتم دون تحذير في كثير من الحالات.

  • تلحق خسائر بشرية واسعة يمكن تجنبها.

القانون واضح، لكن آليات التنفيذ غائبة.


 شهادات إنسانية من غزة والضفة

الشهادات تُعتبر من أهم الأدلة على شكل العنف المستخدم:

هذه الشهادات تحاكي ما تقوله التقارير الحقوقية، وتؤكد نمطًا متكررًا.


 وجهة النظر الإسرائيلية – لماذا تبرر إسرائيل القوة؟

لا يمكن تجاهل الجانب الآخر من التحليل، حتى لو اختلفنا معه، لفهم الصورة كاملة.

وفق التصريحات الإسرائيلية:

  • العمليات تهدف إلى “تصفية مطلوبين”.

  • حماس والجهاد الإسلامي “يستخدمون المدنيين كدروع بشرية”.

  • الاغتيالات “تمنع تنفيذ هجمات مستقبلية”.

  • القصف يتم بعد “تحقق استخباراتي”.

  • الاحتلال يرى أن “البيئة الحضرية في غزة والضفة تفرض قوة مضاعفة”.

المشكلة في هذه الرواية أنها تُستخدم لتبرير الخسائر الكبيرة في صفوف المدنيين، وهو ما ترفضه المنظمات الحقوقية.


استخدام القوة المفرطة 3
استخدام القوة المفرطة 3

 أثر القوة المفرطة على المجتمع الفلسطيني

الاستخدام المستمر للقوة المفرطة ترك آثارًا عميقة:

  1. ارتفاع أعداد الضحايا بين المدنيين، خصوصًا الأطفال والنساء.

  2. دمار واسع للبنية التحتية: مدارس، مستشفيات، محطات كهرباء.

  3. انهيار النظام الصحي: نقص أدوية، إغلاق أقسام كاملة.

  4. أزمة نزوح داخلي: آلاف العائلات تبحث يوميًا عن مأوى.

  5. تدهور التعليم: مدارس مغلقة أو متضررة.

  6. صدمة نفسية جماعية: اضطراب ما بعد الصدمة أصبح ظاهرة واسعة.

  7. انهيار اقتصادي: فقدان وظائف، تراجع الإنتاج، زيادة الفقر.

هذه الآثار تجعل القوة المفرطة ليست انتهاكًا لحظيًا فقط… بل أزمة طويلة المدى.


 تأثير الانتهاكات على الموقف الدولي

المشهد الدولي يعيش حالة ازدواجية واضحة:

  • إدانة حقوقية واسعة.

  • تردد سياسي في اتخاذ إجراءات عملية.

  • انقسام دولي بين داعم لإسرائيل بشكل غير مشروط، ومطالب بوقف العنف.

  • تزايد الضغوط الشعبية العالمية للمحاسبة.

ورغم إصدار مذكرات توقيف دولية ضد بعض المسؤولين الإسرائيليين، إلا أن التطبيق الفعلي محدود.


 سيناريوهات مستقبلية للمرحلة المقبلة

من خلال المعطيات الحالية، يمكن رسم ثلاثة سيناريوهات محتملة:

السيناريو الأول: تصعيد أكبر

مع استمرار العمليات العسكرية في غزة والضفة، قد نشهد:

  • زيادة الضحايا.

  • توسع الاقتحامات.

  • احتمال عمليات اغتيال جديدة.

السيناريو الثاني: تهدئة مؤقتة

ضغط دولي قد يدفع إلى:

  • تخفيف الغارات.

  • فتح ممرات إنسانية.

  • تقليل العمليات البرية.

السيناريو الثالث: اتفاق واسع أو تدخل دولي

وهو الأقل احتمالًا، لكنه يبقى قائمًا، وقد يشمل:

  • ترتيبات أمنية جديدة.

  • إشراف دولي على بعض المناطق.

  • ضمانات لوقف إطلاق النار.


الخلاصة

ما يجري اليوم في غزة والضفة ليس مجرد “عمليات أمنية”، بل هو استخدام واضح للقوة المفرطة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، بأساليب تُلحق أضرارًا واسعة بالمدنيين والبنية التحتية. ومع غياب الردع الدولي، يتواصل هذا النمط من العنف دون محاسبة حقيقية.

ومع ذلك، فإن تقديم تقارير ميدانية دقيقة، وتوثيق شهادات المدنيين، وتحليل الأساليب العسكرية، ومواصلة الضغط الدولي يمكن أن يشكّل خطوة أولى نحو الحد من هذه الانتهاكات.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى