هل تتجه القضية الفلسطينية نحو تغيير جذري؟ قراءة في مستقبل الصراع خلال عام 2026
✍️ كتب: الرفاعي عيد
منذ عقود، بقيت القضية الفلسطينية محورًا للصراع الإقليمي والدولي، لكن السنوات الأخيرة — وخاصة بعد التطورات المتسارعة في غزة والضفة الغربية — جعلت الكثير من الخبراء يتساءلون: هل تقف القضية الفلسطينية اليوم أمام منعطف تاريخي قد يغيّر مسارها؟ وهل يشهد عام 2026 تحولات حقيقية في توازنات القوة، والمواقف الدولية، والبنى السياسية الفلسطينية والإسرائيلية؟
هذا التقرير التحليلي الممتد يقدّم رؤية عميقة للتغيرات المحتملة، ويركّز على العوامل الداخلية والخارجية التي قد تصنع مستقبل القضية الفلسطينية خلال عام 2026 وما بعده.
أولًا: السياق العام — لماذا 2026 عام مفصلي؟
هناك عدة عوامل تجعل عام 2026 نقطة انعطاف مهمة:
-
التغيرات العسكرية في غزة والضفة
استمرار العمليات العسكرية الإسرائيلية، وتنامي قدرات بعض الفصائل، وتحوّل طبيعة المواجهات نحو حرب مدن، كلها مقدمات لسيناريوهات جديدة. -
تبدّلات النظام الإقليمي
ازدياد النفوذ الإيراني والتركي، ومحاولات دول عربية إعادة صياغة دورها في الملف الفلسطيني. -
التحولات داخل إسرائيل نفسها
صعود اليمين المتطرف، وتوسع الانقسامات الداخلية، وتراجع الثقة بالمؤسسة الأمنية. -
تغير المزاج الدولي
تزايد الدعم الشعبي العالمي لفلسطين، مقابل إرهاق القوى الكبرى من استمرار الحرب.
هذه العوامل تجعل 2026 عامًا مهيّأً للتغيير، لكن اتجاه التغيير غير محسوم بعد.
ثانيًا: العوامل الداخلية الفلسطينية — من يملك زمام المبادرة؟
1. انقسام سياسي يضعف المشهد الداخلي
الانقسام بين فتح وحماس ما زال أكبر عائق أمام أي تقدم سياسي. لا توجد حكومة فلسطينية موحدة، وهذا يقلل من قدرة الفلسطينيين على التفاوض أو فرض حضور دولي قوي.
2. بروز جيل جديد من النضال
في الضفة، ظهر جيل جديد من الشباب لا ينتمي تنظيميًا بشكل واضح، لكنه يقود موجة مقاومة مختلفة، أكثر استقلالًا، وأكثر قدرة على المناورة، وأقل خضوعًا للضبط التقليدي.
3. تغيّر المزاج الشعبي
الأجيال الفلسطينية الجديدة أقل اقتناعًا بحلول “الدولتين” أو “المفاوضات التقليدية”، وأكثر ميلًا لحلول قائمة على الحقوق والعدالة الدولية.
4. هشاشة الوضع الاقتصادي
الضغوط الاقتصادية تجعل المجتمع الفلسطيني يعاني من إنهاك كبير، ما قد يعقّد سيناريوهات التصعيد أو الاستقرار.
هذه العوامل قد تفتح الباب لإعادة تشكيل البنية السياسية الفلسطينية خلال 2026، سواء عبر حكومة وحدة أو تغيّر في بنية القيادة.
ثالثًا: المشهد الإسرائيلي — هل يتغير ميزان القوة؟
1. صعود اليمين المتطرف
الحكومة الإسرائيلية الحالية تُعد من أكثر الحكومات تطرفًا منذ قيام الدولة. هذا الصعود يعزز سياسات مثل:
-
توسيع الاستيطان
-
دعم العمليات العسكرية الواسعة
-
رفض أي حل سياسي يتضمن دولة فلسطينية
وهذا الاتجاه يتوقع أن يستمر خلال 2026.
2. الانقسام الداخلي الإسرائيلي
إسرائيل تواجه انقسامًا عميقًا بين:
-
معسكر يميني قومي
-
معسكر علماني ليبرالي
-
انقسام بين الجيش والحكومة في عدة ملفات
هذا الانقسام قد يفتح مساحة لاضطرابات سياسية أو إعادة تشكيل للحكومة.
3. الضغوط الاقتصادية بعد سنوات الحرب
التكلفة الاقتصادية للعمليات العسكرية في غزة والضفة تركت آثارًا كبيرة، قد تدفع إسرائيل إلى إعادة النظر في استراتيجيتها.
رابعًا: البيئة الإقليمية — لاعبون جدد يدخلون الميدان
1. الدور الإيراني
إيران باتت لاعبًا مركزيًا في الصراع، من خلال:
-
دعم فصائل المقاومة
-
الضغط على إسرائيل عبر جبهات متعددة
أي تغير في العلاقة بين إيران والغرب سينعكس مباشرة على الساحة الفلسطينية.
2. تركيا وقطر
تلعبان دورًا محوريًا في الوساطة، وقد يقود ذلك إلى:
-
تفاهمات جديدة
-
اتفاقات تهدئة
-
إعادة إعمار مشروطة
3. الموقف العربي
بعض الدول العربية تراجعت خطوات إلى الخلف، لكن دولًا أخرى بدأت تعود إلى الملف الفلسطيني كقضية محورية في سياساتها، خاصة بعد ارتفاع الغضب الشعبي.
خامسًا: المواقف الدولية — هل يتغيّر الاتجاه العالمي نحو فلسطين؟
1. الولايات المتحدة
أميركا في مرحلة “إعادة تقييم”، لكنها لا تزال تميل لإسرائيل، رغم تزايد الضغوط الداخلية.
2. أوروبا
أوروبا تشهد تحولًا تدريجيًا:
-
برلمانات تتجه للاعتراف بفلسطين
-
مظاهرات شعبية ضخمة
-
انتقادات علنية لسياسات الاحتلال
لكن التغير لا يزال بطيئًا.
3. الصين وروسيا
الصين تعزز دورها تدريجيًا كقوة موازية للغرب، وتدعم بشكل متزايد حلًا يستند إلى الشرعية الدولية.
روسيا تستغل الملف سياسيًا في صراعها مع الغرب.
سادسًا: أبرز السيناريوهات المحتملة للقضية الفلسطينية في 2026
السيناريو الأول: تصعيد كبير قد يغيّر قواعد اللعبة
يتوقع كثير من المحللين أن يشهد عام 2026:
-
عمليات عسكرية واسعة
-
اشتباكات ممتدة في الضفة
-
تطور شكل المقاومة المسلحة
-
تدخلات إقليمية غير مسبوقة
هذا السيناريو يجعل 2026 عامًا ثقيلًا وحاسمًا.
السيناريو الثاني: مسار سياسي جديد تحت ضغط دولي
قد يتم دفع الأطراف بشكل مفاجئ إلى:
-
مفاوضات
-
اتفاق تهدئة طويل
-
ترتيبات أمنية تحت إشراف دولي
هذا السيناريو يعتمد على تغيرات داخلية في إسرائيل.
السيناريو الثالث: إعادة تشكيل القيادة الفلسطينية
قد يظهر:
-
مجلس قيادة جديد
-
حكومة وحدة
-
إعادة بناء منظمة التحرير
هذا سيغير شكل التمثيل الفلسطيني دوليًا.
السيناريو الرابع: انفجار اجتماعي داخل إسرائيل
التوتر الداخلي في إسرائيل قد يؤدي إلى:
-
انتخابات مبكرة
-
سقوط الحكومة
-
صعود تيار سياسي جديد
مما قد يفتح بابًا لحل سياسي جديد أو تصعيد.
سابعًا: هل نحن أمام تغيير جذري بالفعل؟
عند جمع كل المعطيات، فإن مستقبل القضية الفلسطينية 2026 يبدو مرشحًا لعدة تغييرات، لكن “التغيير الجذري” يعتمد على ثلاث نقاط:
-
تغير طبيعة القوة الفلسطينية
هل سيتحوّل النضال من شكل إلى آخر؟
هل سيظهر تحالف فلسطيني جديد يعيد صياغة المشهد؟ -
تغيّر داخل إسرائيل
إذا ضعفت الحكومة الحالية، قد يتغير مسار الصراع.
أما إذا استمرت، فقد يتصاعد العنف. -
تحول دولي كبير
مثل تدخل أممي، ضغط دولي، أو اعترافات أوسع بالدولة الفلسطينية.
إذا تزامنت هذه العوامل الثلاثة معًا، فسيكون 2026 عامًا تاريخيًا بالفعل.
الخلاصة
مستقبل القضية الفلسطينية 2026 ليس ثابتًا، بل مفتوح على احتمالات متعددة.
هناك بوادر قوية تشير إلى أننا نقف أمام مرحلة انتقالية حقيقية، قد تغيّر شكل الصراع، وطبيعة الفاعلين، وموازين القوى، وقد تحوّل القضية الفلسطينية من صراع إقليمي طويل إلى ملف دولي ضاغط يفرض نفسه على موازين السياسة العالمية.
هل سيكون التغيير لصالح الفلسطينيين أم ضدهم؟
هذا يعتمد على قدرة الأطراف الفلسطينية على توحيد موقفها، وعلى قدرة المجتمع الدولي على كبح جماح التطرف الإسرائيلي، وعلى كيفية تفاعل الإقليم مع التحولات القادمة.

