شئون عسكرية

دور الجيش المصري في تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب

الكاتب
✍️ كتــب ريم علي

منذ فجر التاريخ، كان الجيش المصري هو الحارس الأمين على بوابة الوطن. واليوم، في ظل التحديات الأمنية والإقليمية المعقدة، يواصل الجيش المصري أداء دوره التاريخي في تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب بكفاءة عالية واستراتيجية متكاملة.

لا يقتصر دور القوات المسلحة على المواجهة العسكرية فقط، بل يمتد إلى التنمية، وحماية الأمن القومي، ودعم استقرار الدولة المصرية داخليًا وخارجيًا.

تأمين الحدود المصرية.. مهمة لا تعرف التهاون

تمتد الحدود المصرية لأكثر من 5 آلاف كيلومتر، تتنوع ما بين حدود برية وبحرية مع دول عدة، وهو ما يجعل مهمة تأمينها من أصعب المهام في المنطقة. من الحدود الغربية مع ليبيا إلى الجنوبية مع السودان، مرورًا بالشمالية المطلة على البحر المتوسط والشرقية المتاخمة لقطاع غزة وإسرائيل، يعمل الجيش المصري على مدار الساعة لمنع أي اختراق أو تهديد للأراضي المصرية.

قوات حرس الحدود المصري تلعب الدور الأبرز في هذه المهمة، حيث تستخدم أحدث تقنيات المراقبة والرصد، بما في ذلك الطائرات بدون طيار (الدرونز)، وأجهزة الاستشعار الحراري، وأنظمة الاتصالات المتقدمة. كما تم إنشاء نقاط مراقبة حدودية مزودة بالكاميرات عالية الدقة تغطي معظم المناطق الصحراوية الوعرة.

الحدود الغربية.. مواجهة التهريب والإرهاب

الحدود الغربية مع ليبيا تمثل واحدة من أكثر المناطق تعقيدًا من الناحية الأمنية، نظرًا لاتساعها وصعوبة تضاريسها. بعد سقوط النظام الليبي عام 2011، أصبحت هذه المنطقة مصدرًا رئيسيًا لتسلل العناصر الإرهابية وتهريب الأسلحة. لكن الجيش المصري تعامل مع هذا التحدي بحزم، من خلال نشر قوات خاصة ووحدات استطلاع متقدمة، إلى جانب التعاون الاستخباراتي مع الدول المجاورة.

ووفقًا لتقارير رسمية، تمكنت القوات المصرية خلال السنوات الأخيرة من إحباط مئات محاولات التسلل وتهريب الأسلحة، وضبط آلاف القطع من الأسلحة النارية والمتفجرات، ما يعكس فاعلية خطة الجيش في السيطرة الكاملة على الحدود الغربية.

الحدود الشرقية.. خط الدفاع الأول

على الجانب الشرقي، تبرز سيناء كميدان رئيسي لجهود مكافحة الإرهاب. فبعد سنوات من المواجهة مع الجماعات التكفيرية، نجح الجيش المصري في إعادة الأمن إلى معظم مناطق شمال ووسط سيناء عبر عمليات متتالية كان أبرزها “العملية الشاملة سيناء 2018”.

اعتمدت هذه العمليات على استراتيجية “الضربات المركزة” التي استهدفت أوكار الإرهابيين وبنيتهم التحتية، مع تعزيز التنمية في القرى والمدن المحررة. كما ساهمت القوات الجوية في تأمين الممرات والطرق ومراقبة التحركات المشبوهة عبر تقنيات المراقبة الجوية الحديثة.

الجيش المصري ومكافحة الإرهاب في الداخل

لم يكن الإرهاب في مصر ظاهرة حدودية فحسب، بل حاول التمدد إلى العمق المصري، وهو ما واجهه الجيش والشرطة بتنسيق محكم. فقد نفذت القوات المسلحة العديد من العمليات النوعية لتفكيك خلايا إرهابية كانت تستهدف مؤسسات الدولة والمواطنين.

تعمل المخابرات الحربية وقطاع الأمن الوطني في تناغم كامل لتتبع مصادر التمويل والدعم، وتجفيف منابع الإرهاب. كما ساهمت التكنولوجيا الحديثة في تتبع شبكات الاتصال المشفرة والمواقع الإلكترونية التي تستخدمها الجماعات المتطرفة للتجنيد والتواصل.

الجانب الإنساني في مهام الجيش المصري

رغم أن دوره الأساسي عسكري، فإن الجيش المصري لا يفصل بين الأمن والتنمية. فخلال عملياته في سيناء والمناطق الحدودية، ساهم في إنشاء مدارس ومستشفيات، ومد خطوط مياه وكهرباء، وتقديم مساعدات غذائية وطبية للأهالي. هذا الدور الإنساني جعل المواطنين شركاء في الحفاظ على الأمن، وخلق حاضنة شعبية داعمة للجيش في معاركه ضد الإرهاب.

التعاون الإقليمي والدولي

يدرك الجيش المصري أن مكافحة الإرهاب تتجاوز الحدود الوطنية، لذلك اعتمد على التعاون الإقليمي والدولي مع العديد من الدول. تشارك مصر بانتظام في مناورات عسكرية مشتركة مثل “النجم الساطع” و“درع العرب” لتعزيز القدرات القتالية وتبادل الخبرات.

كما تلعب مصر دورًا مهمًا في الجهود الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، ومراقبة حركة الأموال والمقاتلين عبر الحدود. وقد أشادت تقارير الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي بجهود القاهرة في هذا المجال.

التطوير المستمر في قدرات القوات المسلحة

يعتمد نجاح الجيش المصري في أداء مهامه على تطوير تسليحه وتدريبه بشكل مستمر. خلال السنوات الأخيرة، شهدت القوات المسلحة نقلة نوعية في منظومات التسليح الحديثة، شملت الطائرات المقاتلة من طراز “رافال”، والغواصات الألمانية، وأنظمة الدفاع الجوي “S-300”، إلى جانب الأسطول البحري الذي يضم حاملات المروحيات من طراز “ميسترال”.

كل هذه التطورات تعكس استراتيجية الدولة في تعزيز قدرات الردع، وضمان التفوق النوعي في المنطقة. فالقوات المسلحة المصرية اليوم تُعد من أقوى 15 جيشًا في العالم وفقًا لتصنيف Global Fire Power لعام 2025.

الأمن القومي المصري خط أحمر

الجيش المصري لا يتحرك فقط داخل حدود الوطن، بل يتعامل مع كل تهديد للأمن القومي في الإقليم العربي والإفريقي بوعي استراتيجي. فمصر تعتبر أمنها مرتبطًا بأمن المنطقة كلها، لذلك تتدخل سياسيًا وعسكريًا عند الضرورة لحماية المصالح الوطنية ودعم استقرار الجوار.

ومن أبرز الأمثلة على ذلك، دور مصر في دعم الاستقرار في ليبيا والسودان، والتنسيق مع دول الخليج في مواجهة التهديدات الإقليمية، إضافة إلى مشاركتها الفاعلة في قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في إفريقيا.

الوعي الشعبي.. السلاح الأقوى

نجاح الجيش في تأمين الحدود ومكافحة الإرهاب لا يتحقق فقط بالقوة العسكرية، بل أيضًا بوجود وعي شعبي حقيقي بخطورة التهديدات. فالمواطن هو خط الدفاع الأول، ومشاركته في الإبلاغ عن أي أنشطة مشبوهة أو دعم الجهود الأمنية تمثل عاملًا أساسيًا في تحقيق الاستقرار.

ولذلك، تعمل المؤسسات الإعلامية والتعليمية بالتعاون مع القوات المسلحة على رفع مستوى الوعي الوطني لدى الشباب، لتكوين أجيال تدرك قيمة الوطن وتقدّر تضحيات الجيش.

خلاصة القول

إن الجيش المصري اليوم لا يؤدي دوره الوطني فقط، بل يرسم مستقبل الأمن والاستقرار في المنطقة بأكملها. من تأمين الحدود الشاسعة إلى مكافحة الإرهاب داخل العمق المصري، يثبت يومًا بعد يوم أنه درع الوطن وسيفه.

ورغم التحديات، تبقى ثقة المصريين في جيشهم راسخة، لأنه ببساطة المؤسسة التي لا تعرف المستحيل.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *