العالم

التوترات بين الصين والولايات المتحدة وتأثيرها على الاقتصاد العالمي

✍️ كتب: نجلاء عبد الرحمن

يبدو أن العالم يقف أمام مرحلة جديدة من الصراع البارد بين أكبر قوتين اقتصاديتين على الكوكب: الصين والولايات المتحدة. فالتوترات السياسية والتجارية والتكنولوجية بين البلدين لم تعد مجرد خلافات عابرة، بل تحولت إلى مواجهة استراتيجية طويلة المدى تؤثر بالفعل على الاقتصاد العالمي، بدءًا من سلاسل التوريد وحتى أسواق الطاقة والتكنولوجيا.

وتشهد العلاقات بين واشنطن وبكين تصعيدًا متكررًا خلال السنوات الأخيرة، نتيجة خلافات حول التجارة وحقوق الملكية الفكرية والملفات الجيوسياسية في آسيا، إضافة إلى سباق السيطرة على التقنيات الحديثة كأشباه الموصلات والذكاء الاصطناعي.


جذور الأزمة بين البلدين

1. الحرب التجارية

بدأ التوتر بشكل واضح منذ فرض واشنطن رسومًا جمركية ضخمة على المنتجات الصينية، قبل أن ترد بكين برسوم مماثلة. ورغم محاولات التهدئة، لم تُحل الأزمة جذريًا، وما زالت آثارها تضغط على الشركات العالمية.

2. سباق التكنولوجيا

الصراع الحقيقي بين القوتين يدور حول السيطرة على التقنيات المتقدمة.
فالولايات المتحدة تفرض قيودًا شديدة على تصدير التكنولوجيا المتقدمة للصين، وخاصة الشرائح الإلكترونية، فيما تسعى بكين لتعويض ذلك بتطوير صناعات محلية قوية.

3. الملفات الجيوسياسية

تتزايد التوترات في بحر الصين الجنوبي وتايوان، وهو ما تعتبره واشنطن ملفًا استراتيجيًا، بينما ترى الصين ذلك تدخلًا في شؤونها الداخلية.


كيف ينعكس هذا التوتر على الاقتصاد العالمي؟

1. اضطراب سلاسل التوريد

يشكل الخلاف بين بكين وواشنطن ضغطًا هائلًا على سلاسل التوريد العالمية، خصوصًا في مجالات الإلكترونيات والطاقة والصناعة الثقيلة.
وتشير تقارير إلى أن آلاف الشركات بدأت بالفعل في تغيير مواقع تصنيعها لتقليل المخاطر.

2. ارتفاع الأسعار عالميًا

التوتر يؤدي إلى زيادة تكاليف الشحن والتصنيع، ما ينعكس مباشرة على أسعار السلع، خصوصًا الإلكترونيات، السيارات، والمواد الخام.

3. تراجع الاستثمار

يتردد المستثمرون في ضخ أموالهم في أسواق متقلبة سياسياً، ما يؤثر على النمو الاقتصادي العالمي.

4. تقلبات في أسواق الطاقة

الصراع بين القوتين يدفع بعض الدول إلى تغيير مصادر استيراد النفط والغاز، إضافة إلى تأثيرات غير مباشرة على أسعار الطاقة.

5. صراع العملات

تحاول الصين تعزيز اليوان في التجارة الدولية، بينما تتمسك واشنطن بسيادة الدولار.
هذا الصراع المالي قد يؤدي إلى انقسامات في النظام النقدي العالمي.


من الأكثر استفادة من الصراع؟

بينما يعاني الاقتصاد العالمي من التوترات، تحاول بعض الدول الاستفادة من الصراع، مثل:

لكن رغم هذه المكاسب المؤقتة، يبقى تأثير الأزمة سلبيًا على المدى الطويل.


هل يمكن أن يتحول الصراع إلى مواجهة أكبر؟

يرى خبراء أن الصراع سيبقى في إطار “المنافسة الاستراتيجية” دون الوصول إلى مواجهة عسكرية مباشرة، لكنه قد يتوسع اقتصاديًا وتكنولوجيًا، خصوصًا مع دخول مجالات جديدة مثل:

  • الذكاء الاصطناعي

  • الفضاء

  • الأمن السيبراني

  • البنية التحتية الرقمية

كما يتوقع خبراء أن يتواصل الضغط الأمريكي على الشركات الصينية، بينما ترد الصين بتعزيز صناعاتها المحلية وتوسيع تحالفاتها التجارية.


توقعات المستقبل

1. استمرار التصعيد

السيناريو الأرجح، مع بقاء الاقتصاد العالمي رهنًا بتقلبات العلاقة بين البلدين.

2. اتفاقات محدودة

قد يتوصل الطرفان لاتفاقات جزئية تخفف التوترات مؤقتًا في مجالات معينة مثل التجارة أو المناخ.

3. انقسام الاقتصاد العالمي

يخشى محللون من ظهور نظامين اقتصاديين وتقنيين منفصلين:
واحد تقوده أمريكا، وآخر تقوده الصين.


خلاصة تحليلية

الصراع بين الصين والولايات المتحدة ليس خلافًا عابرًا، بل تحول إلى معادلة طويلة الأمد ستحدد شكل الاقتصاد العالمي لعقود.
ومع استمرار التوترات، تتزايد المخاوف من اضطرابات أكبر في التجارة العالمية، وارتفاع أسعار السلع، وتراجع النمو في العديد من الدول.

ويبقى السؤال:
هل يستطيع العالم تحمّل هذا الصراع طويل المدى؟
أم أن الطرفين سيصلان في النهاية إلى نقطة توازن جديدة تحمي الاقتصاد العالمي من الانهيار؟


مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى