طوفان الأقصى

هل تلاعبت الأمم المتحدة في الأرقام لإعلان المجاعة في غزة؟

في الآونة الأخيرة، أثار إعلان المجاعة في قطاع غزة الذي أعلنه التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC)، بدعم من الأمم المتحدة، جدلاً واسعًا على الساحة السياسية والإعلامية. فقد وصفه بعض الأطراف بأنه حقائق مرعبة عن كارثة إنسانية، بينما اتهمه آخرون بأنه مفبرك ومتحيز يخدم أجندة سياسية. هنا، نعرض تطورات القضية، المواقف المختلفة وأسباب الجدل، مع استعراض الوقائع والبيانات المتاحة.

أولاً: ما هو التصنيف المرحلي المتكامل (IPC) وماذا أعلن؟

  • في يونيو 2024، أكدت لجنة مراجعة المجاعة التابعة للـIPC أن لا دلائل قوية على حدوث مجاعة في غزة، رغم استمرار المخاطر العالية.

  • أما في مايو 2025، فقدَّر تقرير مشترك بين اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي أن 470,000 شخص يواجهون “جوعاً كارثياً” (المرحلة الخامسة من IPC)، وأن هناك 71,000 طفل وأكثر من 17,000 أم بحاجة ماسة للعلاج من سوء التغذية الحاد.

  • وفي يوليو 2025، حذّرت الوكالات الأممية من أن مؤشرين أساسيين من مؤشرات المجاعة قد تم تجاوزهما في أجزاء من القطاع، مع تزايد حدة الجوع وسوء التغذية.

  • وفي أغسطس 2025، أعلن IPC رسميًا عن حدوث مجاعة في مدينة غزة (المرحلة الخامسة “كارثية”) بعد تجاوز ثلاثة مؤشرات رئيسية: نقص الغذاء الحاد، سوء تغذية الأطفال، وارتفاع معدلات الوفيات المرتبطة بالجوع.

ثانياً: الرد الإسرائيلي واتهامات بالتلاعب

  • رفضت إسرائيل هذا الإعلان، واعتبرته “كذبة صريحة” و”مصنوعًا لخدمة حملة دعائية لحماس”، وادّعت أن التقرير استند إلى بيانات متحيزة مثل استطلاعات عبر الهاتف وأرقام من جهات مرتبطة بحماس.

  • ذكرت إسرائيل أن أكثر من 10,000 شاحنة مساعدات دخلت القطاع، منها 80% تحتوي على غذاء، وأن التقرير تجاهل جهودها.

  • كما أشارت إلى أن البيانات الأولية لـIPC وFEWS NET تجاهلت المساعدات التجارية والخاصة، وركَّزت فقط على المساعدات الإنسانية.

ثالثاً: تقارير ومراجعات مستقلة انتقادية

  • في البداية، اعترف مسؤول في برنامج الغذاء العالمي بعدم توفر بيانات دقيقة عن وفيات الجوع في غزة، مؤكدًا أن الفئات الثلاث التي يجب توافرها لتصنيف المجاعة — الوفيات، الجوع الحاد، وسوء التغذية — لم تُتحقق آنذاك.

  • تقرير لاحق لـIPC في يونيو 2024 رجّح أن المعطيات الواقعية لا تدعم حدوث مجاعة، رغم استمرار الخطر الجسيم.

  • دراسات أخرى، مثل تلك التي أصدرتها مراكز مراجعة مستقلة، أكدت أن إحصاءات سوء التغذية لم ترتفع بصورة تستدعي إعلان مجاعة، وأن الاستنتاجات السابقة شابها أخطاء منهجية واعتماد على معطيات ناقصة.

رابعاً: أوجه التباين — الحقيقة بين التقييم التقني والواقع الإنساني

  • إن معايير IPC صارمة ومحددة: 20% من السكان يعانون من نقص حاد في الغذاء، سوء تغذية فوق 30%، وارتفاع في الوفيات بسبب الجوع. عند توفرها جميعًا، يتم تصنيف الحالة كمجاعة.

  • رغم ذلك، الواقع الإنساني في غزة ظل كارثيًا حتى قبل إعلان المجاعة، كما يؤكد عدد كبير من منظمات الإغاثة. الصورة على الأرض لا تحتمل التأجيل.

خامساً: التلاعب بالأرقام؟ إلى أي مدى؟

  • لا توجد أدلة ملموسة على تلاعب منظم من قبل الأمم المتحدة بالأرقام لغايات سياسية.

  • من جهة، بعض الجهات التابعة للأمم المتحدة اعترفت بنقص البيانات أو عدم استيفاء معايير التصنيف تمامًا.

  • من جهة أخرى، اللقاءات التقنية بين وكالات متعددة (يونسيف، WFP، FAO، IPC) تدعم شرعية المعايير المستخدمة، ولو أنها أخذت بعض الوقت للوصول إلى التصنيف النهائي.

  • لذا، يبدو أن الخلاف يدور حول تأخير الإعلان والتقييمات المنهجية وليس “التلاعب بالأرقام” كتلك تُستخدم في التلاعب الإعلامي أو السياسي.

خاتمة

لا يمكن الجزم بأن الأمم المتحدة “تلاعبت بالأرقام” لإعلان المجاعة في غزة، بل على العكس، لقد تعاملت بحذر وفق معايير علمية مشددة. الخلل ربما بالمعلومات المحدودة أو التأخر في الوصول إلى ما يكفي من بيانات، لكنها فعليًا أصدرت التحذيرات والتصنيفات في مجراها التقني الصحيح في الوقت المناسب.

أقسام تهمك:

للمزيد : تابعنا هنا ، وللتواصل الاجتماعي تابعنا علي فيسبوك وتويتر .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى