رئيس التحرير

محمود أبو السعود يكتب: الحقونا… «الهرم مقلوب»

لا تندهش من الجملة ولا تهرول إلى الهاتف، لإبلاغ الهيئة العامة للأثار، الجملة تعبير مجازي يُلخص الحالة التي تعيشها  مصر خلال الآونة الأخيرة.. والحقيقة نعاني أشد المعاناة من تصدر المشهد لشخصيات أضرت بنا جميعا، فيروسات خطيرة طالت الأسرة، وهددت قيمها ومبادئها، مطربي المهرجانات محتكري التريند والسوشيال ميديا، أولئك الذين أفسدوا علينا السمع والبصر وما بلغ حد الأفق.

أنا لا أتجني على أشخاص، ويعلم الله اني لا أحمل ضغينة لأحد، ولكني أؤمن تماماً بقول الله عز وجل في محكم تنزيله (وأما الزبد فيذهب جفاءً وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض)، من هذا المنطلق، كان قولي.. دفاعَا عن قيمنا ومبادئنا، في محاولة ربما تنفع، أن نشير إلي مكمن الخطورة لوأد مخطط القضاء على شباب أمة.

ما يحدث الآن من ظهور طاغ، لمن يسمون أنفسهم مطربي المهرجانات، خطر داهم يحيق بالجميع، في ظل تلميعهم على قنوات الفضائيات والسوشيال ميديا، وارتفاع مستوى الدخل من جراء تلك الاغاني الهابطة، والتي ساعد في ظهورها المناخ السيئ الذي يحيط بنا في كل مكان، وأضحي بالفعل، تجسيدَا لقول “الهرم المقلوب” القمة في الأسفل والقاعدة أعلاه.

لا يمكن التصور أبداً أن حالة التذوق الفني لدي المصريين وصلت لهذا المنحدر، كيف تحولنا من تذوق كلمات بليغ حمدي وصوت أم كلثوم، لأغاني حمو بيكا وشاكوش ومحمد رمضان ومن على شاكلتهم، من أعطاهم الفرصة أن تغزو كلماتهم وأفكارهم وأصواتهم، عقول شبابنا.

 نحن لا نريد دفن رؤوسنا في الرمال، أصابع الاتهام تشير للجميع، من المسئول عن تغذية تلك الفيروسات حتى تنهش عقول الشباب، وتنتهك قيم مجتمع له من العراقة والأصالة جذرو ضاربة.

هل من المعقول يا سادة ان يخرج طفل لا يتعدى عمره ٨ سنوات بسيارة تتعدى الـ٣ المليون جنيه ويقول أن ثمن السيارة تعب عامين، استحلفكم بالله كيف رد الشباب الذي ينتظر فرصة منذ عشرات السنين على أبواب وزارة القوي العاملة، أليس هذا يحمل في طياته “معايرة” من الطفل المهرجاني؟

 أليس ما وصلنا إليه، ولو بحثنا عن سبب كثرة الجرائم سنفاجأ أن العامل النفسي له دور كبير في وقوع الجريمة، فما يحدث للإنسان في مصر يخالف المنطق والعقل.

المستوى الذي يقدمه مطربي المهرجانات في مصر مستوى لا يوصف بالفن، وأعطي لهم المسئولين “الكارت الأخضر” فى الظهور الرسمي، وفي احتفالية رسمية سمع فيها الشعب وتراقص علي مزمار بنت الجيران التي غناها عمر كمال وشاكوش في استاد القاهرة في محفل سياسي كبير.

ولكن بعد ما نشاهده في الشارع المصري حالياً من تحرش وانتهاكات، هل سنعير الاسماع مرة أخرى لسماع بنت الجيران للعالم الجليل حسن شاكوش؟، هل ستصبح قضيتنا المحورية منع اغاني المهرجانات أو الاكتفاء بتقنينها؟ هل ستأخذ تلك القضية العظيمة ساعات لمناقشتها مع المايسترو مصطفى كامل والفنان هاني شاكر على شاشات الفضائيات؟

أم أن هناك أصوات عاقلة سوف تظهر في غبار المعركة وتزيل الستار عن الجهل الذي نقبع فيه منذ قرون وعن حالة طمس الهوية التي أضحت بنا في ذيل الأمم.

ماذا عن مراكز البحوث التي تعفنت داخلها اختراعات أيادي مصرية؟، ماذا عن مقولة موظفي الأرشيف في مراكز براءة الاختراع “عدي علينا بكرة”؟

تخوفي القابع في نفسي الآن هو أن يخرج علينا “نمبر وان” وشاكوش وبيكا عند حدث وطني بأغنية والله وعملوها الرجالة في ثوبها الجديد، ويتم منحهم وسام التقدير من الطبقة الأولى على جهدهم المبذول في فرفشة الشعب بعد الازمة الطاحنة.

يا سيدي في كل دول العالم العلماء هم “نمبر وان” وهم من يشعروننا بالأمان اذا انتكست الشعوب أمام مشكلة، يا سيدي هم يوفرون الحماية العلمية لولدي وبنتي وبنت الجيران الذي غني لها الشاكوش وشرب على سيرتها خمور وحشيش في استاد القاهرة أمام شعب يرى القدوة في الرقص على أوتار الاغاني الهابطة الساقطة.

يا سيدي أحب أن أطلعك أن المخمور غني عود البطل ويتغزل في بناتنا وترهق أسماعنا في كل مكان نذهب اليه، اسأله يا سيدي من هذا البطل الذي يتحدث عنه شاكوش.

يا سادة الأمر جلل.. ما الذي نفعله تجاه تلك المهزلة التي جعلت مخمور ومغرور يتقاضى الملايين لأنه يغني وهو مخمور، وتتمايل معه مشاعر شبابنا وبناتنا، كيف نغذي العلم وكيف نقدر العلماء والمعلمين والأطباء وهناك شرذمة تتصدر المشهد ويخرجون ألسنتهم لشباب يفنون أعمارهم في البحث عن العلم ليبحث عن التقدير في بلد يقدر العلم والعلماء وليس “نمبر وان وشاكوش”.

يبحث عن مكان لا يتقاضى فيه أمثال “بيكا ونمبر وان وشاكوش” الملايين، ويعمل صاحب الابتكار على عربة فول، وتمسح به البلدية أسفلت شوارع المحروسة.

وأخيراً ابتلينا بزمان غاب فيه العالم، ورفع الرأس فيه الجاهل، وتغيرت فيه القيم، واندثرت معالم السنن، وصارت الأمة كسفينة بلا ربان، فتنازع كل من فيها يريد أن يخرجها إلى بر الأمان، فكثر الملاحون وانعدم الركبان، وحاول من يعرف بعض المهارة في العوم؛ أن يلق نفسه في لجج البحر طلبا للنجاة، حتى صار غالب حال أهل الزمان خداع في خداع، قل الناصح وانعدم الوفي واندثر المعين.

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى