رئيس التحرير

محمود أبو السعود يكتب: تذكرة.. «ذهاب بلا عودة»

(مش باقي مني غير شوية لحم في كتافي.. بلاش يتبعتروا في البحر.. بلاش يتحرقوا في قطر الصعيد في العيد) كلمات للشاعر الكبير جمال بخيت عبر فيها عن المأساة التي يعيشها المواطن المصري خلال عقود من الزمان، كلمات قاسية مازالت تعبر عن واقع مرير فى مرفق السكة الحديد وضحاياه من المواطنين الغلابة بعد حاث قطاري سوهاج والذي راح ضحيته 33 شهيد و108 مصاباً حتي الآن.

حقاً بغض النظر عن السيناريو المظلم الذي تعيشه السكة الحديد فى مصر، فالبراءة قتلت مرات، مرة بسلاح الإهمال في قطار أسيوط وسالت دماء أطفالنا على قضبان السكة الحديد، ومرة بسلاح القسوة عندما سقط محمد من القطار صريعاً فراراً من دفع التذكرة، وآخرها تصادم قطاري سوهاج، ثم قست قلوبهم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار.

عويل، وبكاء، وأشلاء تنتظر لملمة ذويها من تحت القضبان الحديدية، مشهد سينمائي دامي يطل علينا بين الحين والآخر، مكان التصوير قضبان السكة الحديد، المخرج كما هو لم يتغير، جمهور أرهقت عيناه من مشاهد الدم، والنتيجة صورة أشلاء علي قضبان قطار، وأطفال يتيمة، زوجة أرملة، أب وأم مكلومين، والمشهد ينتهي بتعويض 30 ألف جنيه.

وتبقي الحقيقة حائرة بين «السكة الحديد» و«النيابة العامة» من المتهم؟ وهو السؤال الذي يتردد منذ عشرات السنين، من هو العفريت المتسبب في حوادث القطارات؟ لم نري مسئول تمت إقالته!!، أو مسئول لم يتحمل الذنب ويعلن عن استقالته!!.

في مصر اختلف الامر, انتقل على الفور إلى مكان الحادث وزير النقل ووزير الصحة ووزيرة التأمينات, وانتقل معهم رئيس هيئة السكك الحديدية، وصرح سيادته قبل أي تحقيق وأي تدقيق أن السبب في الحادث هو عبث أحدهم بخرطوم الفرامل, وحصر الاتهام في شخص مجهول يجلس مرصوصا على سطح القطار في الهواء الطلق هو المسئول عن الجريمة.

الحقيقة بيان هيئة السكة الحديد بيان هزيل، افتقد للمصداقية، متناسياً أن هناك لجنة تحقيق هي التي تتهم وهي التي تحدد من هم المسؤولون؟ ومن الذي يستحق الفصل؟ ومن الذي يستحق السجن؟.
تذكرة السفر التي يشتريها الراكب هي بمثابة عقد بين الراكب والهيئة ينص على نقل الراكب من محطة البداية الى محطة النهاية وليس محطة الآخرة يا معالي الوزير!!.

 

فلماذا حدث العكس؟ فالهيئة الناقلة مسؤولة عن كل المآسي التي وقعت بسبب حادث القطار؟ المسؤولون يا سعادة الباشا عن كل الحوادث التي وقعت لقطارات السكة الحديد في الماضي والتي ستقع في المستقبل هم من طبقة عامل الإشارة، والتحويلة، وعسكري المرور، وأخيراً ظهر في الصورة هذا الولد المسطح على سقف القطار الذي سحب خرطوم الفرامل.
ولكن حاشا لله ان يكون سعادة رئيس الهيئة مسؤولاً، وكلا وألف كلا أن يكون سعادة الوزير مسؤولًا, فهؤلاء السادة المستوطنون هم المعصومون الأرض, وهم أهل الحسب والنسب.

اما المسؤولون عن خيبة السكة الحديد فهم الركاب الذين يعتلون ظهور القطارات في حالة تسطيح وهم غالبا طابور خامس وبعضهم خونة يعملون على تشويه سمعة مرفق السكة الحديد ورئيسها الهمام بأوامر من سكك حديد خارجية!!

ما العمل لوقف هذا المسلسل الدموي من حوادث قطارات السكة الحديد في مصر؟ وما هو العمل لوقف الحلقات الدامية لتدهور السيارات على الطرق الزراعية والصحراوية في مختلف انحاء البلاد؟ وهي حوادث من النوع الثقيل، وعدد القتلى في كل حادث بالعشرات, حتى انني أكاد اقول أن قتلى حوادث السكة الحديد والطرق في عام واحد تكاد تكون أكثر من شهداء حرب أكتوبر الفرق الوحيد أن شهداء حرب اكتوبر لبوا نداء الوطن والواجب وسقطوا في اشرف ميدان, أما قتلى الحوادثفقد سقطوا تلبية لنداء الإهمال والرعونة والجهل.

وأخيراً أقترح إقامة نصب تذكاري للراكب المجهول تخليداً لذكرى هؤلاء المواطنين الذين ماتوا وسيموتون علي مرفق لم ولن يشبع من دماء الغلابة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى