رئيس التحرير

محمود أبو السعود يكتب: «أزمة شرف»

e l m o f i d n e w s 1

 

الحقيقة التي يجب أن نتداركها جميعا كمصريين، أن مجتمعنا يعيش «أزمة شرف».. نعم لا تندهش، هذا ما بدا جليًا، خلال الفترة الأخيرة، حالة مزرية من انعدام الأخلاق وموت للضمير.

الحقيقة الثانية، أنه قد حان الوقت لنصارح أنفسنا، بشكل لا يقبل التورية، أننا نحتاج إلى صرخة في أعماق النفس البشرية، في محاولة غير معلومة النتائج، لإيقاظها من حالة السعار التي انتابت المجتمع خلال الفترة الأخيرة، نحتاج ليقظة ضمير، حتى نحاسب أنفسنا قبل أن ننصب المشانق لكل المذنبين.. وما اكثرهم!

والسؤال الذي يفرض نفسه على الساحة الآن، يجب أن يكون بهذه الصيغة.. ما الذي أوصلنا إلى ذلك المستنقع الذي انغمسنا فيه بشكل خطير؟ وكيف وصلنا إلى ذروة الانتهاكات المتكررة، بدءَا من انتهاك لجسد، ومرورا بانتهاك مروع لخصوصية، وانتهاءَا بتنمر أعرج، وعادات لا يمكن أن نراها، إلا في مجتمعات “العربدة والخطيئة” -أعزكم الله.

المجتمع المصري بالفعل يحتاج إلى دراسة متأنية للواقع الذي يعيشه الآن، لأن ما وصلنا إليه ينذر بكوارث إنسانية يندى لها الجبين، من شأنها خلخلة تقاليد المجتمع المصري الذي تربى عليها، وصارت الفطرة التي نكاد أن نفقدها، فقدنا أصبحت مقولة “شعب متدين بطبعه”، أقوال من التراث.

نحتاج الآن.. وبشكل آني،  أن نخضع جميعاً تحت اختبار نفسي متخصص،  لكشف الخلل الحادث فينا، ذلك الخلل الذي أحدث شرخاَ كبيراَ بين كل فئات المجتمع، ما سلم منه أحد قط..  وصل إلى مكمن الأسرة ليهدم أركانها، حتماً نحتاج إلى إرشاد الدين القويم من أناس نثق فيهم، كي يتسنى لنا مواجهة الشبح الذي يهدد كيان مجتمع بأسره.

يؤسفني أن أؤكد، من خلال معايشات حية، أن المجتمع المصري فقد اكثر ما يميزه، لا تتعجب.. فقدنا الشهامة، الإنسانية، أصبح الشارع المصري ممتلئ بذئاب بشرية، أكثر افتراساً من الحيوانات الوحشية، فما نعيشه الآن يحتاج لصرخة في نفوس الجميع لوأد حالة العفن التي لحقت بنا ووصلت بنا إلى القاع.

ما يمكن تداركه اليوم لا يمكن تداركه غداً وعلينا أن البحث عن جذور المشكلة والكف عن الشو الاعلامي واللقطة حتى نتمكن من حصر المشكلة ومعالجتها بعيداً عن سخافات السوشيال ميديا ومدعي الشرف والفضيلة والحقيقة أننا كلنا مخطئون ولكن عيون الكاميرا فضاحة لمن يقف أمامها ويمارس هوايته المفضلة، ومن يختبئ اليوم وراء الشاشات سيقف أمام الكاميرا ويظهر أسوأ ما فيه.

علينا جميعاً أن نصارح أنفسنا ونقف أمام حالة الانعدام الاخلاقي التي نشعر بها وتراها جيداً في حياتنا اليومية حتى نستطيع معالجتها دون خوف ودون استخفاف، نحن يا سادة نعيش حالة من الترهل المجتمعي وزادت عن الحد وبدت مشكلة تؤرق كل بيت وكل فرد في الأسرة.

أليس من حقنا أن نطمئن على أطفالنا في الشوارع وفي المدارس والمستشفيات وكل مكان على أرض المحروسة؟ ولكن كيف والذئاب البشرية كشرت عن أنيابها لتلتهم الاجساد البريئة، كاشفة عن وجه قبيح مختبئ خلف “بدلة أنيقة”، وسيرة ذاتية على صفحة الفيس بوك مفبركة بالمعنى البلدي يختبئ تحت صورة الكعبة وهو في بيت الله الحرام، مختبئ تحت ستار منشورات دينية تعبر عن لسان يحب الفضيلة وجسد يمتلئ بالرغبة في المتعة الحرام وانتهاك أجساد بريئة، بعد كل هذا هل نحتاج للحساب فقط أم لدراسة الازمة ومعرفة أسبابها والخروج منها بأقل الخسائر.

e l m o f i d n e w s 2

دعونا نقتل تلك الحماقات التي يرتكبها هذه الذئاب البشرية في صمت دون أن نعلق المشانق وتنهال السوشيال ميديا باللعنات علي مرتكبي تلك الوقائع دون دراسة حقيقية للحالة التي ابتلينا بها في هذه الألفية الجديدة، أليفية التغريب، والتي جعلتنا نتخيل الاشباح في شوارعنا التي كانت آمنة في وقت ما.

دعونا نصارح أنفسنا أن الذئب الحقيقي عند (الجوع) يسرق لقمته فقط … بينما الذئب البشري عند (الشبع) يسرق لقمة سواه لا يوجد ذئاب بشرية ولكن يوجد بشر ذئاب، فلم نسمع يوما عن ذئب نجح في دور الإنسان لكننا سمعنا كثيرا عن بشر نجحوا نجاحا باهرا في دور الذئاب ولم نسمع عن ذئب ارتدى قناع إنسان لكننا سمعنا عن إنسان ارتدى قناع ذئب ولم نسمع عن ذئب نهش ذئب لكننا سمعنا عن إنسان نهش إنسان و لم نسمع عن ذئب سرق ذئب لكننا سمعنا عن إنسان سرق إنسان.

الذئاب لا تصبح بأي موقف من المواقف بشر لكن البشر يتحولون في الكثير من المواقف إلى ذئاب والبشر الذئاب أشد خطورة علينا من الذئاب الحقيقية لأن مخالبهم ليست في وجوههم ولأن أذنابهم ليست في ظهورهم فنعاني لأننا نتعامل معهم كبشر فلا نتخذ منهم حذرنا ونفسح لهم في حياتنا مساحات بيضاء ونمنحهم من الثقة الكثير فنتقاسم معهم الحياة والتفاصيل واللقمة.

وهناك من لا يعني له اقتسام اللقمة شيئا ففي زمن كهذا الزمن الذي كثرت ملذاته وخيراته لم يعد للقمة العيش أهمية لدى الكثيرين ولا أحد تسعفه ذاكرته عند الغدر أن يتذكر العيش والملح، ووحدهم الأنقياء الذين يتبادر إلى ذهنهم ذكرى العيش والملح عند أول ثقب لخنجر الغدر في ظهورهم.

نحن لا نعيش في غابة لأن البشر الذئاب لا يستوطنون الغابات فالغابة لا تحتوي على أحلامهم ومطامعهم، ولا توفر لهم من الفرائس ما يشبع جوعهم ويسد نهمهم، لذا … فهم يعيشون بيننا، يستوطنون أحلامنا، يتغلغلون بأعمق تفاصيلنا يجيدون دورهم ببراعة غير قابلة للشك والتأويل.

لهذا فــ(عضة) الإنسان الذئب أشد على الإنسان من عضة الذئب الحقيقي لأن الإنسان الذئب لا يُمزق الجسد بل يمزق الروح وتشوه الروح أشد قسوة على النفس من تشوه الجسد، فكلنا بشر ذئاب لا نستثني أحد فالذئاب البشرية لها نماذج كثيرة :

e l m o f i d n e w s 5

فهناك ذئب مثقف يصطاد بقصائده ببراعة ويمنح مفتاح عالمه الوردي لكل من هب ودب من الفتيات والنساء المعجبات، وهناك ذئب تربوي علاقاته اللا تربوية بلا حدود  وليس للتربية في سلوكياته أثر، وهناك ذئب مسعور الجنس هاجسه الأول لا يردعه عن ممارسته أي شي، ولا يفرق بين ضحاياه فهو يروي عطشه حتى من محارمه، وهناك ذئب موظف يعتلي كرسيه ويجاهد كثيرا ليبدو رجلا وإن كانت رتوش وجهه تفضح الكثير، وفي المساء ينضم إلى قائمة قوم لعنهم الله في كتابه، إذن لا بد أن نحاسب أنفسنا ونقف علي بحث تلك الحالة التي وصلنا إليها قبل فتح عملية الاجتهاد علي السوشيال ميديا وترك الساحة لكل من هب ودب ليحاكم ويحاسب علي أهوائه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى